يوجد في علم الإدارة ما يسمى بـ -إدارة الخلاف- سواء على المستوى الاجتماعي أو الأسري أو المهني، ولكن للأسف لم يُعط هذا العلم الاهتمام اللازم في الدول العربية كبقية العلوم الأخرى، وبما أننا -حسب اعتقادي- شعوب مفكرة غير منتجة فإن نسبة الخلافات لدينا ستكون مرتفعة اعتمادا على أن علاقة الخلاف مع الفكر علاقة طردية. مبدئيّا لا بد من الإيمان بأنه لا يمكن إثمار الفكر في عقول مشبعة بالإقصاء والشخصنة، وبالتالي فإن التعمق في مصدر النقد أو الطرح قد يوقعك في دائرة خلاف مغلقة على هيئة نقاش بخيس يتحول بعد دقائق من بدايته إلى دوّامة من الشتائم والاتهامات، إما بالتأسلم والدعشنة أو العمالة والتغريب، وهذا عائد إلى تعلقنا بثقافة "إن لم تكن معي فأنت ضدي"، وعلى سبيل المثال فإن الغالبية من الناقدين على تجاوزات "بعض" أفراد -هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- لا يقلون عنك إسلاما ولا ينكرون ضرورة هذه الفريضة التي اختصت بها أمة محمد ﷺ ولا يخدمون أجندات دول أخرى، إنما انتقاداتهم لا تتجاوز كونها موجهة إلى جهاز حكومي حاله كحال -هيئة مكافحة الفساد- التي لم تسلم من انتقاداتهم الدائمة. في المقابل وكما هو الحال مع الطرف الآخر فإن المطالبين باستمرارية منع قيادة المرأة ليسوا متخلفين ولا ينقصهم ذلك الفكر الذي تتمتع فيه ولا ينتمون إلى فصائل وجماعات إرهابية، إنما يرون في هذا شبهة قد تجرّ إلى مخالفات شرعية في مجتمع أصبحت فيه قضايا التحرش والاعتداء واضحة. ما لم يكن فيما يُطرح ضررا شخصيا على عقيدتك وثوابتك فلا تُخرس فمّاً ناطقاً، ولا تقصي مفكرا بحجة الانتماء واختلاف وجهات النظر، فلو خلا استقبال النقد والطرح من الرجوع لمصدره النقد وانتمائه لتحوّل النقد إلى إنتاجية وسبب للوحدة رغم الخلاف، وهذا مختصر علم إدارة الخلاف بحيث يتم تحويله من صراع لا يعود على المجتمع بالنفع إلى اختلاف يكون سببا للإنتاجية والوحدة، خصوصا في تلك الأحداث المحيطة بالمنطقة في الوقت الراهن. ليس بالإمكان الجزم بأن الشعوب التي لا تعاني من أي حراك داخلي، يتمتع أفرادها بتجانس فكري ولا يتخللهم أي نوع من الاختلاف، بل قد تكون هذه الاختلافات حاضرة على مستوى الأسر ولكنها لم تؤثر على تعايشهم ووحدتهم.