×
محافظة المنطقة الشرقية

إثارة ومفاجآت في افتتاح «آسيوية المبارزة»

صورة الخبر

د. سعيد بن على العضاضي انتشرت في الآونة الأخيرة برامج الماجستير في غالبية الجامعات السعودية الحكومية والخاصة القديمة منها والناشئة خصوصا البرنامج الشهير الذي يطلق عليه ماجستير إدارة الأعمال MBA. فلا تخلو جامعة حكومية أو خاصة من إدراج هذا النوع من البرامج ضمن خططها للدراسات العليا، بل إن بعض مؤسساتنا الأكاديمية تصمم وتشغل برامج الماجستير في الوقت الذي تكون بنيتها التحتية غير مجهزة وغير مؤهلة للدرجة الجامعية الأولى (البكالوريوس). وقد أخذ هذا البرنامج شهرة عالمية في الدول التي تتبنى اقتصاد السوق والمنافسة الحرة وترفع شعار الرأسمالية المطلقة كالولايات المتحدة لعدة أسباب منها المرونة التي يتمتع بها البرنامج، وسهولة إعداد البنية التحتية، وحاجة المنظمات إلى مديرين أكفاء. فالبرنامج في الأصل ليس حكرا على خريجي إدارة الأعمال بل مشاع لجميع التخصصات المختلفة، فالقبول فيه لا يتطلب خلفية علمية في حقل إدارة الأعمال كما هو الحال في التخصصات الأخرى. فلا يمكن أن يحصل المتقدم على قبول للماجستير في اللغة العربية أو الرياضيات أو الكيمياء حتى يكون لديه مؤهل جامعي في الحقل نفسه وهذا غير مشروط في ماجستير إدارة الأعمال فيمكن للمهندس ولمن كانت خلفيته رياضيات أو شريعة أو طب أن يحصل على قبول في برنامج ماجستير إدارة الأعمال وما عليه سوى اجتياز متطلبات دراسية من أربع إلى ست مقررات وبعدها يكون مؤهلا لإكمال البرنامج، وهذا مقبول أكاديميا ولا ضير فيه. وقد بلغت المرونة التي يتمتع بها هذا البرنامج أنه لا يتطلب الحضور اليومي للأستاذ أو للطلاب فيمكن تكييفه كي يناسب جميع شرائح المستفيدين حتى المرابطين في الجبهات وربات البيوت، ويمكن أن يكون في الصباح أو في المساء أو في أيام الإجازات الأسبوعية أو الإجازات الرسمية. كما يمكن اختزال محاضرات الأسبوع في محاضرة واحدة وقد تدمج محاضرات عدة أسابيع في محاضرة واحدة، فالمرونة هنا عالية وهذا توجه عالمي وتتبناه أعرق الجامعات ولا يمكن أن يؤثر كل هذا في الجودة. السبب الثاني لشهرة برنامج ماجستير إدارة الأعمال يتمثل في البنية التحتية، فالبنية التحتية لتشغيل هذا البرنامج غير مكلفة لا يحتاج الأمر إلى معامل أو أدوات معقدة أو أجهزة نادرة فقط قاعات وأساتذة وبرامج حاسب آلي. هذه أهم الأسباب وهناك أسباب أخرى خارجة عن نطاق المؤسسات الأكاديمية كحاجة المنظمات إلى إعداد القادة والرغبة في تأهيل قياديين للمواقع العليا في المنظمات وغيرها. ورغم الشهرة العالمية التي يتمتع بها برنامج إدارة الأعمال وتألق جامعات غربية وشرقية وعربية وسعودية أيضا في تصميمه وتقديمه إلا أنه خرج عن سياقه في بعض مؤسساتنا الأكاديمية وأصبح الوضع أشبه ما يكون بمنح شهادات وهمية لمن أراد أن يحصل على الماجستير وهذا أقرب ما يكون إلى بيع الوهم للناس تحت مسمى ماجستير إدارة الأعمال حتى فقد هذا البرنامج بريقه وأصبح ينظر إليه على أنه أقصر الطرق إلى تحقيق الذات. فهذه المرونة وأن كانت ميزة عالية وتوجها عالميا للبرنامج وللقائمين عليه وللمؤسسات الأكاديمية وللمستفيدين منه إلا أنه سيء فهمها من قبل الجميع في مجتمعنا. فأصبحت بعض المؤسسات الأكاديمية في بلادنا تصمم برامج ماجستير إدارة الأعمال خلال فترة وجيزة وتقبل من تنطبق عليه الشروط ومن لا تنطبق عليه. فلا مانع من قبول طالب حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية بتقدير مقبول أو مهندس تخرج في الجامعة قبل عقدين أو أكثر. ولا يقف الموضوع عند حد القبول بل حتى طريقة التشغيل يكتنفها الكثير من الغموض فيشغل البرنامج في بداياته بشيء من الحرص وبعد انطلاقه يتسلل إليه غير الأكفاء من أساتذة وقياديين. فيعهد بتدريس بعض المواد لمن لا تنطبق عليهم شروط التدريس في برامج الدراسات العليا وقد يعهد تدريس المواد لغير المتخصصين فيمكن أن يدرس أستاذ إدارة العمليات مادة الموارد البشرية وقد يتولى أستاذ الإحصاء تدريس الإدارة الاستراتيجية. وقد بدأ هذا الخرق وهذا الانتهاك لهذا البرنامج عندما أصبح يدرس باللغة العربية. فهذه التجاوزات لا نراها في برامج إدارة الأعمال التي تدرس باللغة الإنجليزية.ونحن لسنا ضد التدريس بلغتنا بل هو مطلب حتمي ننادي به في كل محفل كي نحافظ على ثقافتنا، ولكن إذا كان لهذا تأثير في المادة العلمية وجودة الخريجين وسمعة المؤسسات الأكاديمية فلا نقبله البتة. إن وجود هذه البرامج بهذا الشكل الذي نراه ليس من مصلحة الخريج ولا من مصلحة المنظمة التي سيعمل فيها بعد تخرجه ولا من مصلحة الجهة الأكاديمية التي تمنح الشهادة ولا من مصلحة المجتمع برمته. وإذا استمرت هذه المسرحية فسوف نرى عما قريب وقد حصل جميع أفراد مجتمعنا على ماجستير إدارة أعمال دون مؤهل حقيقي ودون كم معرفي ودون مهارات مكتسبة. كما أن المؤسسات الأكاديمية ستفقد مصداقيتها ولن تعود تتبوأ تلك المكانة في عقول وقلوب الناس لأنهم (الناس) سيدركون أنها تقدم تعليما هزيلا وتنمح أوراق (شهادات) دون أن يكون لحاملها ما يبرهن أو يعكس محتواها. ولكن ليس معنى هذا أنه لا يوجد لدينا برامج ماجستير على درجة عالية من الكفاءة في مؤسساتنا الأكاديمية بل هي موجودة ونتفاخر بها وبخريجيها ولكننا نقصد تلك البرامج التي جنحت عن المسار الأكاديمي ولم تأخذ حقها من الدراسة والتخطيط والإعداد. يجب على وزارة التعليم وأقول هنا يجب لأن الأمر يحتاج إلى تحرك سريع ــــ أن تراقب هذا النوع من البرامج وتقوم بتقييمها بين الوقت والآخر وأنا متأكد أن جولة سريعة للوزارة على بعض البرامج في الجامعات ليس فقط الأهلية بل حتى الحكومية سوف تضطر إلى إغلاق غالبيتها.