×
محافظة المنطقة الشرقية

تكتيك خاص يجهز الفتح قبل ملاقاة الرائد

صورة الخبر

أصبحت منظمة التجارة العالمية بدلا من بروكسل ساحة المعركة الجديدة في الخلاف القائم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ما يسمى بـ "قواعد التقييد القسري للبيانات ومنع تدفقها"، التي تعد أحد أركان النقاش في اتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلسي التي يسعى الطرفان إلى إبرامها منذ عقد من الزمان. وعبر الآليات المستخدمة في الاقتصاد العالمي، يستفيد المستهلكون، والمنتجون، ورجال الأعمال والمصارف، وأصحاب الأعمال التجارية عمومًا من نهر مستمر من البيانات المتدفقة بسلاسة ذهابا وإيابا عبر الحدود الوطنية. وتستخدم الشركات هذه البيانات لتأسيس قيمة المنتجات والخدمات، وتعزيز الإنتاجية، وخفض التكاليف، وتحسين الكفاءة، وردع الاحتيال، وحماية المستهلكين، وتعزيز النمو الاقتصادي، وفرص العمل. ومن أجل أن تحصل الشركات على هذه المزايا، فإنه من الضروري وجود قواعد دولية واضحة ومتسقة تسمح بالتدفق السلس للبيانات دون إعاقة من الحكومات بدواع تتعلق بحماية الخصوصية، أو المصالح الوطنية، وهذا هو رأي الولايات المتحدة في النزاع مع الاتحاد الأوروبي. وعلى هذا الأساس، تمكنت واشنطن من تضمين اتفاق التجارة عبر الهادئ عدة فقرات تسمح بتدفق البيانات والمعلومات بين الدول الموقعة دون إعاقة من الحكومات تحت أي ذريعة كانت، بما في ذلك خصوصية الأفراد. وقبل اتفاق التجارة عبر الهادئ، سعت الشركات الأمريكية في السنوات الأخيرة إلى تضمين "لغة" في الاتفاقات التجارية، خاصة في الصفقات التجارية الكبيرة تسمح بحرية تدفق البيانات عبر الحدود الدولية، وحظر تقييدها أو حصرها، أو السعي لجعلها "محلية"، بمعنى تعطيل القواعد الوطنية التي تجبر الشركات على تخزين معلومات المستهلك داخل حدودها. من جانبه يقاوم الاتحاد الأوروبي الجهود الأمريكية في رفع القيود التي يفرضها على تدفق البيانات، خاصة تلك المتعلقة بخصوصية المستهلك، مستشهدًا بأن برامج المراقبة الأمريكية الواسعة على المواطنين الأوروبيين تُبرر فرض القيود على نقل البيانات. وفي المناقشات التي انتقلت من بروكسل إلى منظمة التجارة في جنيف، تستشهد الولايات المتحدة بالمادة 14 من اتفاقية المنظمة بشأن التجارة في الخدمات (جاتس) على أنها كافية بحد ذاتها لتكون أساسًا قانونيًا لمنع الحكومات من جعل البيانات التجارية محلية الطابع، وفرض قيود على نقلها. واعتبرت الولايات المتحدة في آخر اجتماع للجنة التجارة في الخدمات (الإثنين الماضي) أن المادة 14 من اتفاقية (جاتس) واضحة جدًا، حيث تُغطي تماما كل الجوانب المتعلقة بتدفق المعلومات، بل عالجت حتى الاستثناء الوارد فيما يتعلق بالبيانات الشخصية؛ إذ جعلت من هذا الاستثناء "جدولا صغيرا يحوي مقدارا ضئيلا من المياه"، طبقا لتوصيف أحد أعضاء الوفود التى حضرت الاجتماع. وتشمل المادة 14 من الاتفاق استثناء يسمح للبلدان بتطبيق الأنظمة المحلية التي تحمي خصوصية الأفراد فيما يتعلق بنشر البيانات الشخصية وحماية سرية سجل الفرد ومعطياته، في كل ما يتعلق بمشترياته وميوله الاستهلاكية. وترى الولايات المتحدة أنه في حين تقدم الاتفاقية استثناءات تتعلق بـ "أحكام الخصوصية" الواردة في القوانين المحلية، إلا أنها لا تسمح بتقييد البيانات المتعلقة بالتجارة التي تتضمن تمييزا ضد دولة معينة، مشيرة إلى أن المادة 14 تؤكد- على وجه التحديد- أن التدابير المتصلة بالخصوصية يتم تعطيلها متى ما طُبِّقت بطريقة تشكل وسيلة للتمييز التعسفي، أو غير المبرر بين البلدان، أو قيدًا مقنَّعا على التجارة في الخدمات. ويقول الوفد التجاري الأمريكي إن تلك المادة تسمح بحماية البيانات، لكن السؤال هو: هل تسمح المادة المشار إليها بالتمييز بين الدول؟ معتبرين أن عدم تطبيق المعايير نفسها على واشنطن يمكن أن ينتهك المادة. ويأتي هذا الجدال وسط تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المفاوضات بينهما لإعادة النظر في صيغة اتفاق سابق يتعلق بالخصوصية الفردية كان قد أبرم بصيغته الأولى بين الطرفين قبل أن تلغيه محكمة العدل الأوروبية. وسمح الاتفاق، الموضوع في صلب اتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، لشركات مقرها الولايات المتحدة – مثل جوجل، وفيس بوك، وأمازون – التعامل بحرية مع بيانات شخصية سبق أن وضعها مواطنون أوروبيون على مواقع هذه الشركات. وبموجب الاتفاق، الذي أصبح باطلا الآن، تم السماح للشركات الأمريكية الثلاث وغيرها بنقل ملايين البيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين إلى عدد لا يُحصى أيضًا من الشركات الأخرى. وفي تشرين الأول (أكتوبر) عام 2015 ألغت محكمة العدل الأوروبية هذا الاتفاق قائلة إن أحكامه لم تكن صارمة ما يكفي لحماية خصوصية مواطني الاتحاد الأوروبي وفقا لمعايير الخصوصية في الاتحاد، ووصف بعض نواب البرلمان الأوروبي الاتفاق بأنه يُماثل "الخيار النووي" الذي يتطلب إعادته إلى طاولة التفاوض من أجل حماية الخصوصية. ويتوقع مطلعون بعمل منظمة التجارة أن يأخذ النقاش حول هذا الموضوع وقتًا بسبب انتشار الاتفاقات التجارية الإقليمية ومتعددة الأطراف التي تسعى الولايات المتحدة تضمينها قواعد جديدة تتولى إدارة القضايا الناجمة عن تفجر التجارة الرقمية في القرن الحادي والعشرين. وأصبح اتفاق الشراكة عبر الهادئ الذي أبرم أخيرا بمنزلة "اتفاق الطليعة" في النقاش حول القضايا المتعلقة بـ "الحقوق الرقمية"، حيث يحتوى على لغة معينة تضمن نقل البيانات عبر الحدود، وتعطل القوانين المحلية التي تمنع أو تقيِّد تدفق البيانات بين الأطراف الـ 12 في الاتفاقية. وأعطت هذه الفقرة قوة للولايات المتحدة في مفاوضاتها الراهنة مع الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاق الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، وأصبح التقييد القسري للبيانات أحد القضايا المستجدة لمنظمة التجارة في مفاوضات إبرام اتفاقية التجارة في الخدمات، وهو مرشح لأن يكون جوهر مفاوضات أي اتفاق مقبل يتعلق بـ "التجارة الرقمية" متعددة الأطراف.