محمود أحمد مُنشي للوالدين منزلة عظيمة عند الله عزّ وجل، حيث قرن طاعته وعبادته وشكره ورضاه بذكرهما، وأوصى الأولاد بهما خيراً، وجعل لهما حقوقاً واجبة في رقاب الأولاد، وحذّرهم من عقوقهما، الذي عُدّ في الروايات الشريفة من الكبائر الموجبة لدخول النار، وأنّ العاقّ قد جعله الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد جبّاراً شقيّاً. كما قال تعالى عن لسان نبي الله عيسى عليه السلام (وبَرّاً بوالدتي ولم يجعلني جَبّاراً شقيّاً) الآية. ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يكون شديد الاهتمام في تكريمهما وتعظيمهما واحترامهما، ولا يقصّر في خدمتهما، ويحسن صحبتهما، وألا يتركهما حتى يسألاه شيئاً مما يحتاجان إليه، بل يُبادر إلى قضاء حاجاتهما وامتثال أوامرهما قبل السؤال، كما ورد في الأخبار وإن أضجراه، بل يبذل قصارى جُهده لتحقيق رغباتهما قدر استطاعته ويسعى حثيثاً لبذل الغالي والنفيس في سبيل إرضائهما، لأن كل ذلك لن يضيع سُدى وسوف يجازيه الله خير الجزاء في الدنيا أو يؤخرهما إلى يوم القيامة، ويكون من السعداء في الدارين وبالتالي يبرّه أبناؤه وكما تدين تُدان. إن ما نُطالعه عبر وسائل الإعلام المختلفة وما نسمعه، أمر يُؤرق مضاجعنا وبعيد كل البُعد عن تعاليم السماء وعن تربيتنا وأخلاقياتنا وفِطرتنا، نحن مجتمع والحمد لله مُسلم كالبُنيان المرصوص يشُد بعضُه بعضاً، شعب يشعر الواحد منا بالآخر، بل كلنا إخوة مُتحابون والكبير يعتبره والدا له فما بالك بوالديه، هذا ما يحصل في هذه الأيام أمر غريب لم نعهده إلاّ من عشر سنوات مَضت تقريباً، ما يقدِم عليه الابن وهذا المُفّرط في حق وجنب والديه من إقدامه لا قدر الله من ضرب وحتى هذا الخُسران يصل به الحال والعياذ بالله إلى إيذاء وإلحاق الضرر حتى القتل، إنه بحق لا نقول إلاّ لا حول ولا قوة إلاّ بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل، أمور لم نعهدها في مجتمعنا السعودي، المجتمع الرحيم والعطوف على البعيد من أهله وحتى الجار ولو سابع جار، كما أوصانا به المصطفى صلى الله عليه وسلم تصل إلى حد إراقة دم والده أو والدته، إنه إنسان أحمق وعاق خسر الدنيا والآخرة وسوف ينال عقابه عاجلاً في حياته الدنيا وعند الله سبحانه وتعالى ينال الجزاء الأوفى والعقوبة التي يستحقها. أبناؤه سوف يردّون عليه في حياته قبل مماته، وهناك أحداث كثيرة لا يسمح المجال بذكرها،، كيف كان الرد سريعاً من قبل الأبناء -تجاه والديهم- المُفّرطين والعاقين، وجاءت الآية الكريمة قال الله تعالى (وقَضى ربُّك ألاّ تعبُدُوا إلاّ إيَّاهُ وبالوالدين إحساناً إمّا يبلُغنَّ عِندَكَ الكِبرَ أحدهُما أو كِلاهُما فلا تقُل لهُما أُفّ ٍ ولا تنهرهُما وقُل لهُما قولاً كَريماً واخفِض لهُما جَناحَ الذُّلِ من الرحمة وقُل رَّبّ ِ ارحمهُما كما ربَّيَاني صغيراً). أعزو هذا الأمر المستنكر والغريب على مجتمعنا إلى ضعف الوازع الديني لدى هذا المحروم والمُفرط ثم إلى إمام المسجد، البيت، المدرسة، الواعظ كل هؤلاء عليهم مسؤولية عظيمة في فضل وشأن الوالدين، وأن رضا الله عزّ وجل من رضا الوالدين وأن حقهما وفضلهما كبيران، وعلى الابن أن يعرف أن برّ الوالدين أمر لا ينبغي التفريط فيه أو تجاهله، لأن شأن ذلك عظيم وأنه الطريق إلى الجنة بإذن الله. لقد كانا سبباً في وجوده، لقد طالعتنا أحداث كثيرة عبر التاريخ من أولئك الأفذاذ والبارين، كيف كانوا يُعاملون والديهم بالحُسنى ولين الجانب والسهر عليهم والمكوث تحت أقدامهم الساعات الطويلة، وحتى الوقوف على احتياجاتهم رغم قِلة إمكاناتهم، إلا أنهم يبذلون كل ما بوسعهم في سبيل إرضاء الوالدين وتقديم كل ما هو ممكن (الغالي والنفيس)، يبتغون رضا الله عزّ وجل وعفوه وإحسانه. حيث جاء أن رجُلاً من اليمن قد أتى إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج حاملاً والدته على كتفه يطوف بها البيت العتيق وقابل ابن عمر رضي الله عنه وقال له: هل تراني قد أديت حقها، قال له: ولا بزفرة من زفرات الحمل، ذلك يؤكد مهما عمل الأبناء لوالديهم فإنهم وأيم الله مقصرون بل يردّون بعض جميلهم وحُسن صنيع والديهم تجاههم. مملكتنا، بلاد الحرمين الشريفين، مهبط الوحي انطلقت منها رسالة السماء يفترض أن نكون مثالاً يُحتذى في القيم والأخلاق، خاصة تعاملنا مع والدينا حيث جاءت آيات كثيرة وأحاديث نبوية تحثنا على تعاملنا الطيب مع من لهم فضل علينا، وتحذير شديد ووعيد من مَغبة التهاون والتفريط في حق الوالدين، وما بالك من تُسوّل له نفسه الأمّارة بالسُوء الإيذاء والأسوأ من ذلك القتل، إنها مصيبة كبرى والعياذ بالله. هدانا الله عزّ وجل إلى الصراط المستقيم، وهَدى الله عزّ وجل أبناءنا لبرّ والديهم والعناية والإحسان إليهم، وأن آخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.