×
محافظة الرياض

أمانة الرياض تحجز 22 شاحنة ومعدة مخالفة

صورة الخبر

لستُ بحاجة إلى تأكيد أهمية الثقافة، فهي مسألة لا يختلف فيها اثنان. لكن إدوارد مورفي يلخص تلك الأهمية بقوله: إذا كنتم تعتقدون أن ثمن التعليم أو الثقافة باهظ، جرِّبوا الجهل! وقد جرَّبنا الجهل في محيطنا العربي، ومازلنا نشهد يوميا نتائجه المدمرة. غير أن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الثقافة من الأهمية بحيث لا يصح تركها للعشوائية والارتجال وإيقاع الروتين البيروقراطي البطيء، ورموزه القابعين وراء الأضابير المغبرة، والملوِّحين باللوائح الإدارية والمالية الصارمة. ربما تستوجب تلك الأهمية أن يؤخذ في الاعتبار علاج الاختلالات المزمنة، ليصبح الفعل الثقافي خالصا لوجه الثقافة وحدها، ولينصَبَّ الاهتمام على الأعمال لا على الأسماء والألقاب. ولسدّ أية ثغرة تتسلل منها معايير الكارتيل الثقافي. وعندئذ لن يجد طلاب الوجاهة، ومثقفو المناسبات، ونجوم الأسابيع الثقافية الترفيهية دور كومبارس على خشبة مسرح الثقافة. لا تأثير لثقافةٍ منفصلةٍ عن حاضرها أو منقطعة عن ماضيها. ومن المتعذر أن تواكب الثقافة روح العصر إذا تُرِكَت للذائقة التقليدية التي لم تتجاوز تخوم المنهج الدراسي الجامد، فهي ذائقة تكرّس التجارب القديمة ولا تأتي بأي جديد. ولن يكون الشأن الثقافي في أحسن حالاته لو ترك لعابر سبيل على درب الحداثة، ركب الموجة بالمقلوب، والتبست عليه الأمور، فاعتبر ذلك المشروع الفكري والأخلاقي مجرد حركة جمالية، أو اختزلها في بعض المظاهر والأشكال دون تمييز بين ما هو نوعي وزمني وبين النص وأسلوب الحياة. يرى ديفيد هارفي أن أحد مقومات الحداثة عند رموز عصر التنوير هو الانعتاق من تسلط الجانب المظلم داخل الطبيعة البشرية. للازدهار الثقافي شروطه، ومن تلك الشروط تهيئة مناخات مفتوحة حاضنة للإبداع. لكن يصعب تهيئة تلك المناخات في ظل أي توجه أحادي الرؤية قوامه التزمت والانغلاق والحد من حرية الإبداع. لقد كانت علاقة الفكر الشمولي بالإبداع ملتبسة على مر العصور. وفي حين يقوم الإبداع الفكري والأدبي والفني على نسبية وغموض الوجود الإنساني، يقوم الفكر الشمولي على القطعية وامتلاك الحقيقة الوحيدة. الحقيقة الشمولية، كما يعبر ميلان كونديرا، تستبعد النسبية والشك والتساؤل. ولديها إجابات نهائية قاطعة مانعة. وإذا كانت التنمية الثقافية لا تتحقق بمعزل عن المثقف، فإن مما يجدر ملاحظته هو أن التواصل بين المؤسسات الثقافية الرسمية والمثقف يكاد يكون في أدنى مستوياته. وأعني بالتواصل اهتمام المؤسسة الرسمية برصد ما تفرزه الساحة الثقافية من نتاج ثقافي، ودعم ذلك النتاج ونشره. وعمل استفتاءات للتعرف على آراء وأفكار المعنيين بالشأن الثقافي. لقد أدى ضعف التواصل بين المثقف والمؤسسة الثقافية إلى تدني مستوى التفاعل والمشاركة الخلاقة. يرى بعض المهتمين بالشأن الثقافي أن التخطيط الاستراتيجي للتنمية الثقافية في البلدان العربية يكاد يكون مفقودا أو ضعيفا. وهذا صحيح. لكن الأمر ليس كذلك في كل الأحوال والظروف، فقد يكمن الخلل، أحيانا، في المعوقات الناتجة عن الأنظمة واللوائح الإدارية، وأحيانا عن غياب روح المؤسسة. قد تجتاح الساحة الثقافية، من حين إلى آخر، موجة حماسٍ عابرة لمشروع ثقافي ما، لكنها سرعان ما تنحسر لأن الشخصَ أو الأشخاص المحركين قد انسحبوا أو غابوا لسبب ما. مما يعني أن كثيرا من تلك الهبّات الثقافية ليست سوى مبادرات فردية، حتى لو كانت تحت مظلة مؤسسة رسمية؛ فهي أشبه بسحابة صيف سرعان ما تنقشع، وليست برنامجا ثقافيا أو خطة عمل واضحة المعالم قابلة للاستمرار.