الخطاب السياسي في أوقات الأحداث والأزمات يتحول تلقائياً إلى مشروع إعلامي يرسم ملامح الرؤية والممارسة، ويمنح الحقيقة فرصة للتعبير عن الواقع، ومواجهة المضادات التي تحمل أفكاراً وسلوكيات للتضليل والتزييف والكذب لتحقيق مكاسب آنية، والخروج عن العقل إلى العاطفة التي لا تصنع فارقاً يمكن تجاوزه، أو حتى منطقاً يُحتكم إليه في تقريب وجهات النظر. وهذا الخطاب لا ينفصل في واقعه عن منظومة العمل الأخرى للدولة في مشروع التصدي، وكسب التأييد، والتأثير في الخارج أكثر من الداخل، خاصة حين تكون التوجهات منسجمة مع الإرادة السياسية الدولية، وملتزمة بمبادئ السلم، والأمن والاستقرار، والرغبة في الخلاص من التجاذبات، والتحزبات، والانقسامات في الآراء والمواقف. ولهذا كان الخطاب السياسي السعودي في الحرب على الإرهاب واضحاً وصريحاً، ولا يزايد لكسب المصالح على حساب الواقع الذي لا يزال مخيفاً، ومرتبكاً في عمليات التجاوز وقدر الاهتمام، كما أن الخطاب لم يكن صامتاً عن تطورات الأحداث من دون أن يكون له موقف يكشف الحقائق، ويغذي الرأي العام الدولي تجاه ما يمكن التعبير عنه صراحة بفضح الادعاءات والأكاذيب التي تنال من الحراك الإيجابي لصناعة الموقف والتعبير عنه بلا خوف أو تردد. وأمام التطورات المتسارعة في الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي كان الخطاب السياسي السعودي أكثر تفاعلاً مع الأحداث منذ نشأة هذا التنظيم، وتمدده على أكثر من قطر عربي، حيث كان الموقف تعبيراً عن الإرادة السعودية بضرورة تكاتف الجهود الدولية لمواجهة التنظيم، وتجفيف منابعه، والتصدي لمؤيديه، وداعميه، وهو ما عبّر عنه الموقف السعودي من ضرورة حل الأزمة السورية التي ساهمت في تواجد التنظيم على الأرض، خاصة من نظام المجرم بشار الأسد، وأهمية رحيله عن السلطة كضمان لسلامة التوجه الدولي للمواجهة، إلى جانب كف إيران الإرهابية عن ممارسة سلوك الدعم لهذا التنظيم، وتوفير فرص الظهور والانتشار والممارسة له؛ لكسب مصالح التواجد على الأراضي العربية، والتدخل في شؤون الآخرين، ونشر المليشيات التي تساهم في تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة. الخطاب السياسي السعودي واضح من الحرب على "داعش" برحيل بشار الأسد، والتصدي لمشروع الهيمنة والنفوذ الفارسي، وتكامل هذا الدور بإعلان التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، وقبله المشاركة السعودية في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، وأيضاً قرار خوض الحرب البرية ضد التنظيم من دون تراجع فيه، وهو ما أعطى زخماً إعلامياً وسياسياً للمواجهة، رغم أن المملكة هي جزء من هذا التحالف، وليست الدولة الوحيدة التي تتواجد على الأراضي السورية لحرب "داعش". ما يميز الخطاب السياسي السعودي في هذه المرحلة هو قدرته على التنسيق الدولي، وبناء التحالفات، وتوجيه الرأي العام الدولي من أن "داعش" لا تمثّل الإسلام كما هي التنظيمات المتطرفة الأخرى التي لا تمثّل المسيحية، أو الهندوسية، وهو ما يبرز حجم الضرر الذي تركه هذا التنظيم في تشويه صورة الإسلام في الغرب، واستهدافه المملكة في أكثر من عملية إرهابية، ومواصلة تمدده المثير والمخيف في بلدان عربية أخرى. ومع أهمية هذا الخطاب، وقدرته على كشف الحقائق، إلاّ أن الأهم هو تحول هذا الخطاب إلى مشروع وطني يشارك فيه الجميع، خاصة وأن حجم ما يثار على المملكة في حربها على الإرهاب، ونشر الأكاذيب وتلوينها حول ذلك؛ يستدعي في المقابل جهوداً إعلامية ومجتمعية لفضح هذه الممارسات، وتعرية أصواتها النشاز، وتحمّل المسؤولية الفردية قبل غيرها للتصدي، وتطهير الذات من الحسابات الشخصية، وانقسام الرأي، والتصنيف، وتأزيم العلاقة مع بعض مؤسسات الدولة، والدينية منها تحديداً، والنهوض معاً إلى مستوى التحديات، والوقوف صفاً واحداً أمام مشروعات التأزيم والإحباط والطائفية، والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وتعزيز الأمن والاستقرار، وهذا هو الأهم في هذه المرحلة؛ فلا يمكن أن يكون خطابنا السياسي والإعلامي، وجهدنا الأمني والعسكري موجهاً للحرب على الإرهاب، وبعضنا لايزال يغرّد في فضاء آخر من الإساءة، والتقليل، وتضخيم الحوادث الفردية.