سرق المتطرفون احتياجنا المجتمعي لمعنى كلمة «الوطنية» الذي يقتضي أخذه بشكل مختلف عن طريقتهم، واستطاعوا توظيف هذا المفهوم في مواقفهم ضد الآخر، فأصبحت الوطنية مجالا للتشكيك وإلقاء الاتهامات بدلا من أن تكون مطلبا واحتياجا يولد الشعور بضرورة السعي للتضامن الوطني من أجل تحقيقها، فهم يتماشون مع كل معطيات الواقع الحديث لهدف يجددون به حضورهم على المشهد الاجتماعي ولكن بخلفية التطرف ذاتها. الوطنية والمواطنة مفاهيم تأثرت بالانفتاح الثقافي والفكري الذي مررنا به في الفترة الماضية بما حملت من الوقائع والأحداث التي دفعت لجعلها مطلبا وطنيا، حيث أعطت دورا في وجود الحاجة إلى التطلع والبحث عنها كأحد الحلول الملائمة لطموح المجتمع، ولكن ما مدى انعكاس القيمة المعرفية في الوعي الاجتماعي والممارسة السلوكية لدى الفرد ؟ لا تعد المواطنة رمزا ذا دلالة كاملة إلا إذا حددت مفاهيمه في قالب تكاملي يجمع ما بين المعرفة والتفاعل، فتحديد الدلالات لفهمها يقتضي إيجاد المضامين والسياقات التي تتشكل وفق معطيات معينة تتضمن الفكر والمعرفة والسلوك، وبما أنه لا يوجد مجال على مزايدة المواطن في حبه لوطنه، فالوطنية وفق هذا النمط تشكل لدينا أهم المعطيات، وحين تتوافر لدينا المشاعر الوطنية فلا بد من أن تظهر على الاستجابات العاطفية التي تفسرها طبيعة الانتماء والهوية، بينما هي تعطي رابطا وثيقا بين مفهوم الوطنية والمواطنة في الحس الفردي والاجتماعي، بمعنى أن الحب والمشاعر تجاه الوطن يجب أن يرتبطا بمدى فاعلية الفرد والجماعة في وطنهم حين يولد لديهم اتجاه الحاجة إلى التفاعل فيه. تلك العلاقة التي تربط الفرد بمجتمعه كما يفترض أن تتحدد وفق المفهوم الحديث للمجتمع المدني والدولة بما تعطيه من الحقوق وبما تتطلبه من المسؤوليات والواجبات المفروضة على أفراده، لاسيما تنمية المقدرة الفكرية التي تواجه الاختلافات الثقافية وتنظمها لإرساء ثقافة السلام والتسامح والتعددية. إن إيقاف التأثير المتطرف واستغلال الحس الوطني سيوجد المواطنة الصالحة، وذلك بالتوجيه الفكري السليم وتبني طبيعة الفرد في حبه لإثبات دوره الاجتماعي، وتحقيق ذاته على المستوى العملي والشخصي، الأمر الذي يندرج تحت جملة من الحاجات الأساسية والثانوية تتمثل في مدى التصاق الحقوق الإنسانية بمفهوم المواطنة، لأن المواطنة تعني المسؤولية وليست مجالا للصراع.