×
محافظة المدينة المنورة

أمانة المدينة: نزع الملكيات سبب تأخر طريق الأمير سلطان

صورة الخبر

نبش ونبر من جديد في مسلك البرلمان وإسقاط الاستجواب، أمر يثير الحيرة أكثر من الاستغراب، والاستهجان أكثر من الاستنكار، فهل أصحاب السعادة نوابنا الكرام على دراية عما يغردون؟ تغريدة نشاز لا قرار، فالقرار من نبع الفكر والتغريدة على هوى النفس، تلك النفس الأمارة بسوء الجهالة وجهالة السوء... معذرةً يا أصحاب السعادة فأنتم الذين ارتضيتم على أنفسكم، دون علم منكم، بتلقي سهام النقد والاستهجان ممن أوصلوكم إلى كراسي سلطة التشريع والرقابة. جلس سعادة النواب الكرام على كراسي البرلمان وهم يغردون ويتغاردون عما عليهم فعله لتأدية الواجب الوطني وخدمة الشعب الذي انتخبهم نواباً يمثلونه في منبر الديمقراطية حديثة الولادة، فما زال الوليد في طور الرضاعة، ورعاية الوليد حساسة ولها حسابات مصيرية كي يترعرع الوليد ويقف على رجليه، وإلا فالوأد سيكون من مصيره. ولا ندري إلى أي مدى يدرك النواب الكرام طبيعة هذه المرحلة الحساسة للأخذ بيد الوليد إلى بر الأمان. جلسوا في مجلسهم وهم يتغاردون كيف يمررون جمل الاستجواب من خرم إبرة العجز، فكان ما كان من نوائب العجز ووأد الاستجواب. طبيعي أن تتقسم جموع النواب في تكتلات برلمانية، وكل كتلة تمثل فكراً مستقلاً وبرنامج عمل ونهج تعاط في جلسات النقاش البرلماني، ورغم تباين الأفكار والاتجاهات إلا أن كل الكتل البرلمانية ملتزمة بالدستور وبالواجب الوطني وتلبية طموحات الناخبين، فهذه خطوط بيضاء على طريق الديمقراطية لا يجوز تخطيها. ومن أهم هذه الخطوط هي الحقوق الدستورية التي تضمن فاعلية النهج الديمقراطي والتي لا يمكن العبث بها أو الاجتهاد فيها إلى منحى مغاير للديمقراطية، فإذا ما غردت كتلة باسقاط حق برلماني نكاية بكتلة أخرى، فإن مسلسل الإسقاطات سيتوالى إلى أن يتوارى الحق البرلماني وتصبح الديمقراطية اسماً لا جسماً لها، ديمقراطية صورية هزيلة مضحكة. ومن نكد العجز على النواب الكرام أن التناكف بين الكتل أدى إلى إسقاط حق الاستجواب. إسقاط الاستجواب في البرلمان، هو إنزلاق إلى سوء تقدير المشروع الاصلاحي لجلالة الملك، هو انحدار إلى فوضى وأد النبتة الوليدة لمنظومة ديمقراطية عصرية متطورة تلبي حاجيات الوطن لتأسيس دولة القانون. السؤال البرلماني والاستفهام والاستجواب تتوحد في أداة لزيمة بالممارسات الديمقراطية في برلمانات العالم، والنائب الذي يمثل الوطن والمواطن لا يمكنه الاستغناء عن هذه الاداة التي هي حق برلماني يضمنه الدستور للنائب. ما الضير في أن يتوجه البرلمان بالسؤال إلى وزير؟ ما الضير في الاستفهام من وزير؟ وما الهاجس المخيف من استجواب وزير؟ هل ستقوم القيامة إذا توجه النائب بسؤال أو استفهام إلى وزير؟ هل سيتزلزل كيان الوطن إذا استجاب وزير للاستجواب أمام البرلمان؟ فإذا ما توفرت الشروط الموضوعية التي يبنى عليها السؤال أو الاستفهام او الاستجواب، فليس من المنطق الديمقراطي ولا الاخلاقية البرلمانية التحايل على تلك الشروط من أجل إسقاط حق برلماني. وهذا الاستجواب وهو حق برلماني يمثل جسر التعاطي بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية خدمة للوطن والمواطن وصوناً لكرامة الوطن وسمعته أمام العائلة الدولية. فسلطة تؤازر سلطة، وسلطة تستفهم من سلطة، ووزير يؤازر نائب، ونائب يستفهم من وزير، والمثل الشعبي يقول: من سأل ما ضاع، ونضيف النقيض على هذا المثل الحكيم بالقول: من ضاع ما سأل. وعبر السؤال والاستفهام والاستجابة والتفاهم يكون التعاطي بين سلطة وسلطة حتى لا يضيع الوطن ولا تضيع حقوق المواطن. أليس المشترك بين الوزير والنائب أنهما مواطنان مسؤولان أمام الوطن في كليته الشعبية والتنفيذية والقيادية؟ السؤال والاستفهام والاستجواب كلها من نبع واحد وكلها تؤكد على هذه المسئولية. إن التخلي عن وحدة السؤال البرلماني هو مساس بالمسئولية الوطنية، وهو إجحاف بحق الناخب الذي أعطى صوته للنائب كي يضمن له حياة سياسية شفافة وأمينة، وهو إهدار للطاقات الفاعلة والموارد بصنوفها في بنية السلطة التنفيذية، وهو مساس مبني على سوء فهم للقيادة الرشيدة التي بادرت بفتح الأبواب أمام حياة ديمقراطية بانطلاقة برلمانية وليدة. لا يمكن فهم إسقاط حق برلماني خارج إطار هذه الموبقات التي تستهين وتستصغر بالمسؤولية الوطنية. المواطن الناخب والمتابع المختص بشؤون البرلمانات في العائلة الإقليمية والدولية عندهم سؤال جوهري: ما الذي دفع كتلة برلمانية الى إسقاط حق برلماني؟ وهذا السلوك الغريب هو بمثابة من يتنازل عن حقه الشرعي والذي لا يجيزه الشرع. هذا المواطن وذاك المتابع المختص يرون تداعيات بارزة لهذا الإسقاط، ومن أهم تلك التداعيات هي زعزعة سمعة دولة البحرين أمام المجتمع الدولي والمساس بروح المشروع الاصلاحي لجلالة الملك. ويستتبع ذلك فقدان ثقة واحترام المواطن في البرلمان، وإتساع هوة عدم الثقة بين المواطن والنخب السياسية، فقدان البرلمان لمكانته كسلطة تشريعية، إعطاء الذريعة لجهات خارجة على القانون والدستور على التحريض والتخريب وزعزعة الأمن الوطني. والبرلمان بهذه الخطوة يساهم في توسيع الهوة بين المواطن والسلطة التنفيذية وحتى القيادة العليا. وما تغرد به البرلمان باسقاط الاستجواب لهي جريرة كبيرة لا تغتفر. فيا أيها النواب الكرام يا فوارس البرلمان صدق القول فيكم، ونقتبس القول، قول شاعرنا الأديب علي عبدالله خليفة في مجموعة قصائده المعنونة إضاءة لذاكرة الوطن حين كشفت كلماته الستار عن فروسيات خشبية، وكأن تلك الكلمات تتنبئ قبل عهد من الزمان عن فروسيتكم الخشبية: كل الفوارس التي ترى، سيوفها خشب والكلمات، سيدي، هياكل اللعب كل المنابر التي ترى، خطيبها يؤم بالدجل ويسكن الخواء نفسه وينبض الفؤاد بالوجل...