×
محافظة المنطقة الشرقية

ديوان سعودي بالفرنسية عن «الربيع العربي»

صورة الخبر

في إحدى المقاطعات الصينية قرر المسؤولون شق طريق في وسط المدينة لتسهيل حركة المرور، غير أن المهندسين وجدوا أنفسهم بين خيارين، إما إزالة أحد المباني الأثرية والذي يعترض مسار هذا الطريق، أو تغيير المسار لتفادي المبنى مع ما يترتب على ذلك من نفقات إضافية لنزع الملكية، بالتأكيد لو كانوا عرباً لقرروا إزالة المبنى الأثري دون أن يرفّ لهم جفن، أو في أحسن الأحوال غيّروا مسار الطريق حتى لو التهم ميزانية عام كامل، لكن أحفاد لاوتسي الذين يؤمنون دائماً بتكامل كل الثنائيات الكونية، على اعتبار أنه لولا الليل لما عُرف النهار، ولولا العتمة لما عرف الضوء، ولولا البعيد لما كان القريب وهكذا، على النقيض تماماً من طريقتنا في التفكير، والتي تقوم على المواجهة بين الأضداد فالليل ضد النهار، والعتمة ضد الضوء، والطويل ضد القصير، لذلك فقد وجد المهندسون الحل في حفر نفق تحت المبنى يسمح للطريق بالمرور دون أن يهدم المبنى، ودون الحاجة لإنفاق أموال إضافية. ذهنية التهديم القائمة دائماً على مواجهة الأضداد ذهنية عربية خالصة كما يبدو، فقد حدث ذات يوم أن قامت ثورة في أحد البلدان العربية سُمّيت ثورة الخبز، احتجاجاً على قرار الحكومة رفع سعره، أما ما فعله المتظاهرون فقد عمدوا إلى إتلاف وإحراق المخابز، وعندما عدلت الحكومة عن قرارها كانت نصف المخابز معطلة، ما جعل العرض أقل من الطلب ليرتفع سعر الخبز عشرة أضعاف ما قررته الحكومة، وكان على الثوار نتيجة لذلك أن يقبلوا بهذا السعر الفاحش على مدى أكثر من عشرة أشهر إلى أن تم إصلاح المخابز المعطلة! ونفس الشيء يحدث كل يوم عندما يغضب الجمهور فيعمد إلى تكسير وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة على حد سواء، وبسقوط نظام الإخوان في مصر بدا واضحاً أن الشعار المطروح على الأرض هو أيضاً شعار تهديم فإما أن نحكم من الأمير إلى الغفير أو نحرق البلد. وهو نفس شعار حزب الله في لبنان الذي عطل تشكيل الحكومة لما يقارب العام حتى الآن، والأمثلة أكثر من أن تحصى. الأمر لا يقتصر على السياسة، لاحظوا فقط حينما تريد إحدى البلديات توسعة طريق ما، أول شيء تفعله هو إغلاق الموقع ثم هدم الطريق القائم، لتبدأ بعد ذلك أعمال التوسعة، لا يمكن أن يصل التفكير إلى الإبقاء على الطريق القائم قيد الاستعمال والعمل على التوسعة في الجوانب.. هذا حلّ لا يتلاءم مع ثقافة التهديم التي لا تعرف كيف تعمل إلا على الأنقاض. الحل الثالث الذي يأتي من خلال سيادة فكرة تكامل الثنائيات لا مكان له في قاموس العقل العربي، لذلك غالباً ما تقفز فكرة التهديم إلى السطح على اعتبار أنها امتداد طبيعي للعمل على البياض، وهي فكرة خاطئة، لأن البياض لا يعني بالضرورة الحل الأمثل، قد يكون هو الأسهل بعد صرف النظر عن أضراره، لكنه قطعاً ليس الأقرب للموضوعية لأنه يقوم على فكرة الاستبدال، والعودة في كل مرة إلى خانة الصفر أو ما نسميه المربع الأول للبدء من جديد، فالوزير الجديد لا يُريد أن يُتمّ عمل الوزير السابق، ورئيس البلدية لا يُريد أن يعمل من حيث انتهى سلفه، ولا يُريد أصلاً أن يطلع على ملفاته وخططه، لأنه يريد أن يبدأ من جديد على أساس أنه ضده وبديله الأفضل، وهذا ما يجعلنا أكثر أمم الأرض استخداماً وتوظيفاً للبدايات دون أي طرف نهاية ناجز.