عمد حزب الله إلى التعامل مع كل نازح سوري في لبنان على أنه مشروع "عنصر من عناصر المعارضة ومقاتل في صفوفها"، خاصة أن المعارضة وفصائلها المقاتلة لم تخف نيتها استهداف حزب الله وحاضنته وبيئته الشعبية رداً على ما قام به في منطقة القصير وريف دمشق وعملية "الترانسفير" التي طبقها على سكان هذه المناطق. وقد يكون الموقف الذي عبر عنه رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد عن اللاجئين السوريين في لبنان ووصفهم بأنهم "قنبلة موقوتة" هو الموقف العلني الأول والمباشر من أزمة النزوح واللجوء السوري. لكن من الزاوية التي تشكل هاجساً، أو بتعبير أدق، تهديداً لحزب الله وبيئته ومناطقه، لجهة ما يعتبره من أن تجمعات اللاجئين تشكل تهديداً أمنياً كامناً له ولعناصره ومناصريه. منذ بداية أزمة النزوح السوري باتجاه دول الجوار، خاصة باتجاه لبنان، وتحديداً بعد التورط المباشر لحزب الله في المعارك إلى جانب النظام، التزم الحزب ومؤسساته الأمنية الحذر الشديد في التعامل مع هذه الأزمة، لعدة أسباب، لعل أهمها أنه يعتبر من المسببين لهذا النزوح واللجوء السوري إلى لبنان، وأن جزءاً من اللجوء جاء سبباً مباشراً للمعارك التي شنها الحزب ضد تجمعات الفصائل المعارضة خاصة في معركة القصير، لتتسع الدائرة لاحقاً مع اتساع رقعة المعارك حول دمشق وتصاعد العنف الذي يمارسه النظام وحلفاؤه في المعارك ضد فصائل المعارضة. معركة القصير.. البداية فمعركة القصير شكلت البداية العملية لأزمة اللجوء إلى لبنان بشكل عام، وتحدياً أساسياً لحزب الله الذي التزم الصمت التام أمام هذه الأزمة التي تعود في جزء أساسي منها لدوره في سوريا. ولم يكن تراجع الاهتمام المباشر لحزب الله في أزمة اللاجئين بمعنى عدم التعامل مع تداعياتها السياسية والاجتماعية وحتى الأمنية. ففي البعد السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي ترك المهمة لحليفه المسيحي في التيار الوطني الحر، الذي استطاع إلى حد ما استنفار حساسية مسيحية عبرت عن هواجسها ومخاوفها من تحول ظاهرة اللجوء إلى حالة دائمة قد تنتهي إلى التوطين الذي قد لا يقف عند حدود السوريين، بل سيتبع فتح ملف التوطين الفلسطيني. وما يعنيه ذلك من مخاطر تغيير في التوزيع الديمغرافي والبنيوي بين الطوائف اللبنانية. أما البعد الأمني، فقد عمد حزب الله إلى التعامل مع كل نازح سوري على أنه مشروع "عنصر من عناصر المعارضة ومقاتل في صفوفها"، خاصة أن المعارضة وفصائلها المقاتلة لم تخف نيتها استهداف حزب الله وحاضنته وبيئته الشعبية رداً على ما قام به في منطقة القصير وريف دمشق وعملية "الترانسفير" التي طبقها على سكان هذه المناطق. الهاجس الأمني، أو ما عبر عنه رعد "بالقنبلة الموقوتة" يعني لدى حزب الله البقاء في حالة استنفار دائم في جبهته الداخلية، خاصة بعد التفجيرات التي وقعت داخل مناطق نفوذه من البقاع والهرمل شرق لبنان وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. وعقّد مهمة حزب الله الأمنية عدم وجود مخيمات محددة ورسمية للاجئين السوريين، وانتشارهم داخل القرى والمدن اللبنانية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وبين الأهالي إضافة إلى بعض المخيمات العشوائية التي خضع بعض منها لإشراف المؤسسات الدولية واليونيسف، وأجبر كل ذلك الحزب على فرض رقابة غير مباشرة على المخيمات العشوائية، إضافة إلى فرض إجراءات أمنية مشددة داخل القرى والمدن، ارتفعت وتيرتها خاصة داخل الضاحية الجنوبية. وجعلت الكلفة المالية المتدنية لتكاليف العيش والسكن داخل الضاحية الجنوبية المكان مقصداً للاجئين السوريين الذين يمكلون دخلاً مالياً محدوداً، إضافة إلى سهولة ترددهم وإقامتهم داخل المخيمات الفلسطينية خاصة مخيم برج البراجنة. هذا الانتشار الواسع والكثيف للاجئين السوريين داخل مناطق نفوذ حزب الله، فرض عليه التعامل معهم على أن كل واحد منهم "مشروع انتحاري"، إضافة إلى أن هذه الظاهرة تشكل "قنبلة موقوتة" على بيئته، أمنية واجتماعية، لأنها حملت معها إضافة إلى الخطر الأمني وإمكانية انتماء بعضهم للجماعات الإرهابية أو التي تقوم بعمليات تفجير، حملت خطراً اجتماعياً تفاقمت معه ظواهر مثل جرائم الاتجار بالمخدرات والقتل والسرقة، إلى جانب أن العدد الكبير من اللاجئين ورخص اليد العاملة بينهم أعطت مردوداً سلبياً وعكسياً على حالة العمل بين أبناء الضاحية، وزادت من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان بشكل عام. خطة أمنية للتعامل مع اللاجئين مع بداية التفجيرات في تموز عام 2013 داخل الضاحية الجنوبية، وضع حزب الله خطة أمنية للتعامل مع النزوح السوري داخل بيئته، فعمد إلى إجراء إحصاء شامل وعام لكل السوريين المقيمين داخل الضاحية الجنوبية أو في القرى والمدن المؤيدة له من الهرمل في شرق لبنان وصولاً إلى بنت جبيل في الجنوب، ورتب لهم استمارات عائلية وشخصية تحصي عدد أفراد كل عائلة ووضعها الاجتماعي، والمنطقة والقرية أو المدينة السورية التي أتت منها، وأقرباءهم وأماكن توزعهم في لبنان ومساكنهم. هذه الإجراءات لم تكن مقنعة لحزب الله في التعامل مع السوريين المقيمين في مناطق نفوذه، فعمد إلى منع تجول كل العمال السوريين بعد الساعة السادسة مساء تحت طائلة المسؤولية، بعد أن أصدر بطاقات تعريفية خاصة بكل واحد منهم مقابل مصادرة أوراقهم الثبوتية السورية، وإلزام كل عامل منهم بتسوية أوضاعه القانونية، وأن يكون له كفيل لبناني صاحب العمل. ومن الإجراءات التي اتخذها الحزب منع العمال السوريين من استخدام الدراجات النارية داخل الضاحية أو بين الضاحية والمناطق خارجها، ولا يسمح لأي منهم باستخدام هذا النوع من وسائل النقل إذا لم يكن يحمل ترخيصاً أمنياً بذلك يتضمن اسم مالك الدراجة والكفيل اللبناني الذي يعمل لديه واسم المؤسسة. وبعد التفجير المزدوج الذي وقع في محلة برج البراجنة نهاية العام الماضي 2015، ارتفعت وتيرة الإجراءات الأمنية التي يتخذها حزب الله داخل الضاحية وفي مناطق نفوذه، ورفع من جاهزية أفراده وعناصره الأمنية الذين ينتشرون داخل الضاحية وفي شوارعها يراقبون المارة وكل فرد يشكون به قد يشكل في نظرهم مصدر خطر عليهم. وبعد المعارك الأخيرة التي شهدتها سوريا والمشاركة الواسعة لحزب الله فيها، زادت الإجراءات الأمنية داخل الضاحية، وهذه المرة بشكل علني ومن دون أي مراعاة للدولة اللبنانية والنقاط الأمنية التي وضعتها الأجهزة الأمنية من جيش وقوى أمن وأمن عام على المداخل، فانتشرت نقاط تفتيش خاصة للحزب تحت غطاء عناصر الشرطة البلدية التابعة لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية وعلى بعد أمتار قليلة من نقاط التفتيش الرسمية. كذلك، استدعت أجهزة الحزب كل السوريين العاملين في الضاحية، خاصة الرجال منهم، وحتى المقيمين، وأجرت معهم تحقيقات جديدة لتأكيد وضعهم العائلي والاجتماعي وحتى السياسي، إضافة إلى اتخاذ إجراء يمنع أياً من السوريين المقيمين خارج الضاحية من العمل داخلها تحت طائلة المسؤولية التي تطال كلاً من العامل وصاحب العمل. أما في السياسة، فإن البعد السياسي الذي قد يكون وراء الوصف الذي استخدمه محمد رعد عن السوريين ووصفهم بالقنبلة الموقوتة ما يدور من حديث عن ضغوط دولية تمارس على الدولة اللبنانية لإجبارها على تشريع وجود اللاجئين السوريين داخل لبنان مقابل الحصول على دعم المانحين الدوليين، خاصة ما تسرب من محادثات جرت في المؤتمر الدولي الأخير الذي استضافته العاصمة البريطانية لندن في قبل نحو عشرة أيام.