فاجأ العميد أحمد عسيري المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي، قبل أيام المتابعين بالإعلان عن استعداد المملكة العربية السعودية للمشاركة في أي عملية برية ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. مفاجأة العميد العسيري لم تكن في الحقيقة جديدة لمن تابع مسار الأحداث وتصريحات الجهات الرسمية في كلّ من المملكة والولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلّق بملفّ "تنظيم الدولة" الّذي أضحى العدوّ المجمع عليه بين الشرق والغرب خلال العامين الأخيرين، وتحديدا منذ سقوط مدينة الموصل في يونيو/حزيران 2014. فتصريحات المسؤولين الأمريكيين الّتي تتحدّث عن رفضهم التدخل برّيا في العراق و سوريا لمقاتلة تنظيم "الدولة الإسلامية" بسبب عدم استعدادهم للمقاتلة نيابة عن الجيوش العربيّة، تتالت في الآونة الأخيرة، لهذا وافقت السعودية أخيرا على طلب قيادة جيش "إسلامي" مشترك، يدخل سوريا ويقاتل التنظيم تحت راية وقيادة أمريكية. وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اعترف هو الآخر أثناء زيارته إلى العاصمة الأمريكية واشنطن الإثنين قائلا إن "فكرة القيام بعملية برية في سورية، جاءت من واشنطن" التي رحبت بها، كما اعتبر أن موقف واشنطن كان "مؤيدا وإيجابيا وأن دول التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية يتوقعون قيادة الولايات المتحدة للعملية البرية، على أن تقوم المملكة بدور رئيسي فيها". قرار المملكة الأخير لم يكن جديدا بل إنّ هذه الخطة للتدخّل البرّي كانت مرسومة منذ أشهر، وما مناورات رعد الشمال الّتي تشهدها منطقة "حفر الباطن" في شمال السعودية والتي وصفت بأنها أضخم مناورات في الشرق الأوسط وفق وسائل الإعلام العربية، إلّا دليل على ذلك حتّى وإن حاولت بعض الجهات الرسمية نفي هذه العلاقة وحصرها في أنّها رسائل مضمونة الوصول لإيران وحلفائها في المنطقة. التدخّل البرّي الّذي قالت مصادر مطّلعة إنه سيكون قوامه جيش تعداده عشرات الآلاف من "القوات الإسلامية" المشتركة، يبدو أنّه يمرّ بصعوبات كبيرة حتّى قبل نزوله على الأرض لقتال مسلّحي تنظيم الدولة ومسلّحي الجماعات الجهادية الأخرى في نفس الوقت، حيث حذّر وزير الخارجية السوري وليد المعلم السعودية وحلفاءها السبت 6 فبراير/شباط قائلا إنّ “أي تدخل بري في الأراضي السورية دون موافقة الحكومة هو عدوان ونأسف أن يعود هؤلاء (المعتدون) في صناديق خشبية إلى بلدهم" في إشارة واضحة من القيادة السورية عن رفضها لأيّ تدخّل أجنبي في أراضيها. التدخّل البرّي في سوريا إن كُتب له النجاح على أرض الواقع لن يحقّق من وجهة نظري أي فائدة مرجوّة وإنّما سيزيد من تعميق الجرح السعودي والعربي بصفة عامّة في أخطر بقعة في العالم اليوم وهي سورية، فالتحالف الدولي الستيني الّذي ينطبق عليه المثل الشعبي العربي "الكثرة وقلّة البركة" هو من الأسباب الرئيسية لما يحصل داخلها بعد أن ساند بشّار الأسد في أكثر من مناسبة وساهم في أن يستعيد جيشه النظامي أكثر من منطقة لتعديل موازين القوى على الأرض بدعوى محاربة الجماعات الإرهابيّة. كذلك فإنّ الحرب السورية التي انعقد اجماع المتابعين بعد مؤتمر جنيف 3 قبل أيّام ألّا حلول سلميّة لها ولا معارضة داخلية ولا خارجية تمثّلها، ستتواصل خلال السنوات القادمة، بل إنّ الحلّ العسكري البرّي المحدود هو الآخر لن يكون الأمثل خاصّة وأنّ الأجواء تبدو مثل الأجواء التي سبقت انطلاق عاصفة الحزم في شهر مارس/آذار الماضي والتي كان هدفها الوحيد تحرير اليمن وإرجاع الحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، لكن ما الّذي حدث؟ فقط مليارات الدولارات التي تقذف بها الطائرات السعودية على الأحياء السكنية والتجمعات المدنية والعسكريّة في المدن التي يسطر عليها أذناب إيران من الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وفق ما أكّدته المنظمات الحقوقية على غرار "هيومن رايتس ووتش"، ثمّ خضوع الأطراف المتناحرة لمفاوضات مباشرة وغير مباشرة للخروج بحلّ مشترك للأزمة اليمنيّة. 11 شهرا منذ انطلاق "عاصفة الحزم"، ولا يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء بل ويقومون بقصف المدن السعودية بالصواريخ القريبة والبعيدة المدى. من جهة أخرى، فإنّ "عاصفة الحزم" أو "عمليّة إعادة الأمل" الّتي أعقبتها والتي تشارك فيها أكثر من دولة عربية، أحدثت نزيفا كبيرا في الموازنة السعودية، حتّى أنّ العجز عام 2015 وصل إلى 98 مليار دولار، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى أن يتوقّع وفق تقديراته الأخيرة أن الإحتياجات النقدية لدى المملكة تكفي بالكاد لضمان تحقيق التوازن لفترة لا تتجاوز 5 سنوات، ومردّ ذلك إلى أن أغلب المشاركين في أيّ حلف عسكري جوّي، بحري أو بريّ ستتكفل المملكة بمصاريفهم وتكلفة صواريخهم وعملياتهم دون أن ننسى المكافآت التي تحصل عليها هذه الدّول. إنّ القرار السعودي بالتدخّل البرّي كما سبق وقلنا لم يكن جديدا، ففي شهر فبراير 2015 أكد السيناتور ليندسي غراهام عضو مجلس الشيوخ الأمريكي أن الأردن والسعودية ودول عربية أخرى على استعداد لإرسال قوات برية إلى العراق وسوريا في محاولة لتدمير تنظيم الدولة، ولكنهم ينتظرون انضمام القوات الأمريكية لهم. وعندما سئل عمّا إذا كانت المملكة الأردنية وافقت على إرسال قوات برية أجاب ليندسي "نعم، والمملكة السعودية أيضا، الجميع معنا في هذا الإتجاه"، وأوضح المشرع الجمهوري أن الدول العربية تريد من الولايات المتحدة أن تكون جزءا من المزيج لأن لديهم قدرات محدودة. نيّة التدخّل البريّ السعودي في سوريا الّتي أعقبت الإعلان عن التحالف الإسلامي السني لمحاربة الإرهاب بنحو شهرين جعل من المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا تتندّر، حيث تساءلت مستهزئة عن إعلان المملكة استعدادها لإرسال قوات إلى سوريا في تغريدة لها نقلتها وكالة أنباء سبوتنيك الروسية الحكومية قائلة "أخاف أن أسأل.. هل غلبتم الجميع في اليمن؟" تنظيم "الدولة الإسلامية" الّذي قطع عهداً على أنصاره ومتابعيه والمتعاطفين معه مفاده أنّه ينتظر تدخّلا برّيّا عربيا أو غربيا في المناطق التي يسيطر عليها لكي يحقّق الإنتصارات "المبهرة" ولكسب مزيد من المتعاطفين معه، بالإضافة إلى نيّته من ذلك نزع الشرعيّة الدينية وتعرية السعوديّة عند دخولها تحت راية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو هو الآخر على أهبّة الإستعداد خاصّة وأنّه الخبير بحروب العصابات التي لا تتقنها القوات النظامية. الحرب السورية تتّجه من السيّئ إلى الأسوأ والعام 2016 لا يزال يخفي مفاجآته ولم يبح بكلّ أسراره الّتي من المؤكّد أنّها لن تكون سارّة ولن تساهم في إحلال السلام في المنطقة رغم ادّعاء البعض أنّ ما يقوم به يخدم ذلك، وربّما القرار السعوديّ الأخير بالتدخل البري سيؤكّد قول القائل إنّ أبا بكر البغدادي سيسجد شكراً إذا ما تمّ إقرار أي تدخّل برّي عربي أو غربي في سوريا أو العراق.