بصعوده قمة القطب المتجمد الجنوبي منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، كأول عربي يصل هناك، حقق الأردني مصطفى سلامة حلمه بتسلق قمم الجبال السبعة الأعلى على مستوى القارات والقطبين المتجمدين في رحلة طويلة، بدأت منذ نحو 15 عاماً، عندما كان نادلاً في مطاعم داخل المملكة، وغاسلاً للصحون، حين غادر إلى لندن بقصد تعلم اللغة الإنجليزية، والبحث عن فرص مهنية جديدة. سلامة الذي غرس علم بلاده فور وصوله قمة القطب الجنوبي، أكد أن الجولة الأخيرة لم تقل تحدياً عن سابقاتها، تلك التي واجه خلالها تفاصيل متكررة، وسواها غير متوقعة. يقول: كانت مغامرة صعبة للغاية استغرقت 53 يوماً في القارة المتجمدة الجنوبية، وبمجرد وصولي للقمة كأول عربي فوقها، سالكاً مسار مسنر الحافل بالمفاجآت، نسيت كافة متاعبي وإصابتي بتصلب في أصابعي وأنفي وبآلام شديدة في قدمي، وأديت الصلاة شكراً لله، وعشت فرحة غامرة لأنني حققت حلماً طال انتظاره. يضيف: بهذا الإنجاز أكملت بطولة الغراند، وتسلقت القمم السبع جميعها، وأعلى القطبين الجنوبي والشمالي، وأصبح اسمي ضمن 14 شخصاً فقط أنجزوا الهدف، على مستوى العالم، ولم أنسَ إيصال رسالتي المتضامنة مع مرضى السرطان في الأردن، وضرورة توفير الدعم اللازم لعلاجهم ولازمتني في رحلتي ذكريات جميلة أمضيتها مع أطفال مصابين، أحدهم كان قريباً مني مما حفزني كثيراً على إكمال المشوار. ويتابع: صعود القمم ليس مجرد هواية للمتعة وتحدي الصعوبات وصقل القدرات الذاتية لكنها تحمل كل مرة أهدافاً ورسائل إنسانية واجتماعية وشبابية، غايتها لفت أنظار العالم خصوصاً المعنيين والمهتمين إلى مضامينها والعمل على تنفيذها، وسعيت دائماً إلى تحقيق ذلك عبر إطلاق غايات بيئية وصحية وتربوية وغيرها، واستطعت ذات مرة مع متطوعين استقطاب بعض المعروفين للمشاركة في رحلة من أجل الأمل، تسلقوا عبرها قمة كليمنغارو وأصدر الكاتب الأردني إبراهيم نصر الله رواية بشأنها داعياً إلى نشر وتكرار التجربة. سلامة تسلق قمم إيفرست الأعلى بين نظيراتها، والبالغ ارتفاعها نحو 8850 متراً، ضمن سلسلة الهمالايا الآسيوية، وأكوناغوا، ضمن سلسلة جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية ودينالي على مقربة من ألاسكا الأمريكية، وكليمنغارو الإفريقية، وأيلبوس في جورجيا، وكارستنز في إندونيسيا، وفينسون ماسيف في المحيط المتجمد الجنوبي، فضلاً عن القطبين. يقول: حين بدأت الحلم كنت ناشئاً أحب الرياضة، ومارست ألعاباً عديدة بينها الجري والقفز وكرة القدم، وكانت تشدني كثيراً فكرة تسلق الجبال، لأنني وجدت فيها شيئاً مختلفاً قائماً على التحدي، وعندما سافرت إلى بريطانيا، بحثاً عن فرصة عمل جديدة تساندني في تحقيق طموحي لم أجد الأبواب مفتوحة أمامي، وتنقلت بين مهام النادل وغاسل الصحون، في مطاعم مختلفة على مدار ثلاث سنوات، لكنني لم أيأس ووثقت بإمكانية الوصول إلى هدفي يوماً، وهذا ما حصل. ويقول: لم تكن الطريق سهلة نهائياً، حين فكرت بتسلق أول قمة، وقرأت كثيراً في هذا المجال وخضعت لتدريبات مكثفة على أيدي متخصصين، وجربت في البداية تسلق جبال محلية وعربية من باب التهيئة، وأدركت تفاصيل تتعلق بالأغذية والملابس والتجهيزات، وآلية التصرف عند مواجهة المخاطر، ولم أصدق نفسي، عندما أصبحت على قمة دينالي في يونيو/حزيران عام 2004. سلامة الذي استقبله العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مهنئاً، قبل نحو أسبوعين، يؤكد تعثره مرات، وتعلمه من تجاربه وعودته للمحاولة من جديد كما حدث عند تسلقه إيفرست للمرة الأولى عام 2005، وإصابته وقتها بنزيف في المعدة، أجبره على الانسحاب قبل نجاحه في بلوغ القمة بعد تكراره التجربة عقبها بثلاث سنوات، ويعلق: عدت حينها لأتدرب على الجري لمسافة 10 كيلومترات ورفع الأثقال والسباحة والاستعداد بطريقة أفضل للتأقلم مع الطبيعة القاسية. ويشير سلامة إلى عدم استسلامه حيال التكلفة الكبيرة التي تتطلبها رحلاته وبحثه المستمر في كل مرة عن دعم رسمي أو من القطاع الخاص بدون كلل أو تراجع، ويعقب: عملية الصعود للقمم تبدأ من التحضير قبلها بمدة ليست قصيرة على الصعيد البدني والنفسي والتمارين الصحية والرياضية، واقتناء معدات وأدوات ومراجعة مدربين متخصصين، هناك مخيم رئيسي يسبق التسلق الذي يستغرق أحياناً ثلاثة أشهر. ويضيف: هناك مفاجآت عايشتها على مدار رحلاتي للقمم، بينها الطرق الخطرة والانزلاقات الحادة وإمكانية مواجهة حيوانات مفترسة، والمرور أحياناً بغابات مخيفة إلى جانب درجات الحرارة شديدة الانخفاض، وإشكالية الموازنة للمحافظة على نسبة الأكسجين، ومعدل تناول الوجبات، وترقب المجهول في كل مرة، لكن الإصرار كان دافعاً قوياً للمضي قدماً، برغبة ملحة للنجاح. سلامة الذي عكف على تنفيذ تدريبات لهواة التسلق في خطوة يعتزم تكريس جهوده نحوها فضلاً عن بحثه عن مغامرات جديدة، يلفت إلى حرصه على تأهيل آخرين في هذا النطاق، وفق أسس صحيحة ومنحهم خلاصة خبرته، ومواقف واجهها للاستفادة منها.