خسر الرئيس الأميركي باراك أوباما في الكونغرس معركة زيادة الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة من 7.25 دولار في الساعة حالياً إلى 10.1 دولار. واحتسب البيت الأبيض الزيادة على أساس تطور التضخم المالي منذ نصف قرن. وكان الحزب الديموقراطي قدّم مشروع قانون في مجلس الشيوخ، الذي كان يسيطر على غالبيته في نيسان (أبريل) الماضي، لكنه واجه معارضة جمهورية شرسة في غرفتي الكونغرس، إلى أن انقلبت الغالبية في مجلس الشيوخ إلى الجمهوريين منذ مطلع السنة. فقضى هؤلاء على أي حظوظ لإقرار قانون يرفع الحد الأدنى للأجور فيديرالياً. وكان من شأن أي قانون فيديرالي أن يفرض على الولايات الخمسين التزام الحد الأدنى، أو إقرار حد أدنى يكون أعلى من الحد الفيديرالي المطلوب. ويرتبط أوباما بقضية الحد الأدنى للأجور شخصياً وعاطفياً، إذ إن الرئيس الذي نشأ في أسرة متوسطة الدخل، اضطر في شبابه الى العمل في مهن متواضعة كي يفي أقساط تعليمه، فملأ أكواب البوظة في محال «باسكين روبنز»، وعمل دهاناً في المنازل ونادلاً في مطاعم المتقاعدين. وكانت كل هذه الأعمال التي مارسها أوباما تعود عليه بالحد الأدنى للأجور. حتــــى فــي السنوات الأولى التي تلت تخرجه مـــن الجامعة وزواجه، واجه أوباما وزوجته ميشال صعوبات معيشية دفعت السيدة الأولى إلى القول في إحدى مقابلاتها، إنها كانت وباراك تبحثان في مواقف السيارات عن أثاث قديم مرمي لفرش منزلهما الأول. ولأنّ الرئيس والسيدة الأولى يتحدران من جــــذور متواضعة، فهـــما شنا حملة لرفع الحد الأدنى للأجور، وكرر أوباما مـــراراً عــدم جواز أن يعيـــش زوجـــان يعمل كل منهما دواماً كاملاً أو أكثر في الغالب تحت خط الفقر. ونشر البيت الأبيض بيانات أوردت أن خط الفقر لعائلة مؤلفة من فردين كان 16 ألف دولار سنوياً عام 1971، وللعائلة المؤلفة من 3 أشخاص 19 ألفاً، فيما كان الحد الأدنى للأجور 20 ألفاً. أما اليوم وباحتساب التضخم، يصبح الحد الأدنى لمدخول زوجين 15 ألفاً، أي دون خط الفقر لأي عائلة من أي حجم كان. وتشير بيانات البيت الأبيض، إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 10.1 دولار في الساعة، سيزيد مداخيل 28 مليون أميركي، والغالبية الساحقة من هؤلاء هم من الأفراد غير المتزوجين، وتبلغ نسبتهم 44 في المئة من الـ 28 مليوناً. فيما يبلغ عدد الأزواج من دون أولاد 18 في المئة أو نحو 5 ملايين، والأزواج مع أولاد 16 في المئة أو 4.6 مليون. كما تؤدي زيادة الحد الأدنى الى رفع مداخيل 3.4 مليون أميركي ممّن هم تحت سن الـ 18. ولأنّ الكونغرس أغلق أبواب الزيادة في وجه الرئيس الأميركي، اتجه الأخير إلى قاعدته الحزبية التي راح يعبئها للضغط على الكونغرس وعلى مجالس التشريع المحلية في الولايات الخمسين. إذ تجاوبت معه 13 فضلاً عن العاصمة واشنطن، وهذه كلها تسيطر على مجالسها المحلية غالبية من الحزب الديموقراطي. حتى أن مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا قررت رفع الحد الأدنى للأجور ليصل 15 دولاراً في الساعة مع حلول عام 2018. في وقت راحت أكبر المدن الأميركية أي نيويورك ذات الغالبية الديموقراطية أيضاً، تبحث في إمكان إقرار زيادة مشابهة. لكن الجمهوريين الذين أقفلوا الكونغرس، لم يتراجعوا عن معارضتهم المحلية، فعارض جمهوريو نيويورك مثلاً أي زيادة بحجة أنها تؤدي إلى تضخم مالي، وتجبر الشركات في الوقت ذاته على اقفال أبوابها ونقل أعمالها إلى الولايات التي لا تفرض زيادة على الرواتب. وكان «مكتب موازنة الكونغرس» وهو هيئة رسمية غير حزبية، أعلن أن زيادة الحد الأدنى «ستدفع بعض الشركات لا سيما منها الصغيرة والمتوسطة، إما إلى إغلاق أبوابها كلياً أو إلى تقليص القوة العاملة لديها وطرد بعض العمال. وفي المحصلة، قدّر المكتب خسارة نصف مليون فرصة عمل في السوق، لو كان الكونغرس أقرّ قانون نيسان 2014 للزيادة. ولم يعتبر المكتب أن الزيادة تفضي إلى تضخم مالي أو إلى زيادة في الإنفاق الحكومي، على رغم أن من شأن زيادة من هذا النوع أن تكلف الخزينة الفيديرالية مليوني دولار سنوياً لموظفي الحكومة، إضافة الى مليونين إضافية على السلع، التي تبتاعها الحكومة من متعهدين خارجيين بسبب ارتفاع كلفة العمال لدى هؤلاء. وكتب المعلق اليميني في صحيفة «فوربس» تيم وراستال، معتبراً أن «أي زيادة للأجور في أي اقتصاد، تدفع نسبة الحد الأدنى ليتعدى عتبة 50 في المئة من متوسط الدخل، من شأنها أن تبطئ سوق الوظائف والاقتصاد عموماً، على غرار ما يحصل في فرنسا التي يشهد اقتصادها صعوبات في نمو الناتج المحلي أخيراً. وبحسب متوسط الدخل في الولايات المتحدة، يبلغ أجر العامل في الساعة 16.87 دولار، أي أن نسبة الحد الأدنى إلى متوسط الدخل في الولايات المتحدة تصل إلى 47 في المئة. ومن شأن رفعها إلى ما يطالب به غلاة الديموقراطيين في سان فرانسيسكو اي 15 دولاراً في الساعة، ان ترفع النسبة الى 89 في المئة، وهي نسبة «لن تعمل» بحسب وارستال. لكن الحملات الجمهورية لم تثنِ الديموقراطيين عن الاستمرار في السعي إلى إقرار الزيادة في أكبر عدد من الولايات والمدن والمجالس المحلية. وكتبت صحيفة «ساندايل كاليفورنيا» في افتتاحيتها أن «عمال الحد الأدنى في مدينة لوس انجلوس يأملون في زيادة، لا للعيش في بحبوحة، بل ليتمكنوا من الاستمرار في مجتمع اليوم».