سأعود بك إلى روائيين روس كبار من القرن التاسع عشر كان همهم الأدبي هو الكتابة للأطفال من خلال مجموعة قصص صدرت في العام ١٩٨١ عن دار التقدم في موسكو، وعندما تقول دار التقدم لا بد أن تعود بك الذاكرة إلى أكثر من ثلاثة عقود مضت على ذلك الزمن الثقافي الذي كانت فيه الترجمة من الروسية إلى العربية في الذروة على أيدي مترجمين محترفين عرب ومستعربين يعملون بقلوبهم ومن قلوبهم في هذا الحقل الحضاري الذي كان فيه الطفل كائناً إنسانياً هو من أولويات العقل الروسي الثقافي باعتبار هذا الكائن يجب حمايته من العنف والقسوة والعداوات العرقية. في مقدمة مجموعة القصص تلك التي صدرت تحت عنوان الصبي المطاط نقرأ لا يوجد كاتب روسي من كتاب القرن التاسع عشر لم يكتب عن الأطفال أو لأجلهم، وقد رأى كتابنا في الأطفال مستقبل الوطن وغده المشرق، وسعى الأدباء لحماية الأطفال من قسوة وعدم فهم الكبار..، وفي ضوء ذلك لن نفاجأ إذا عرفنا من الكتاب أن كاتبا كبيراً في حجم دوستويفسكي وكاتباً كبيراً آخر في حجم تشيخوف قد كتبا للأطفال، لكن بفهم الكبار لطبيعة هذه الكتابة الخطيرة. كتب تشيخوف قصة للأطفال بعنوان كاشتانكا في العام ١٨٨٧ وأكثر من ذلك نعرف أن تولستوي الكبير والقامة الروائية الروسية المذهلة دفع كاتباً آخر هو ايفان تورغينيف للكتابة للأطفال في العام ١٨٥٢ وهناك كاتب روسي آخر توفي في العام ١٩١٢ هو مامين سيبيرياك كتب حوالي ١٣٠ قصة للأطفال، والكاتب الملاكم كوبرين المولود في العام ١٨٧٠ قال إني أتوق لأن أكتب للشباب السوفييت وللطفل السوفييتي الساحر. تولستوي أعظم كتاب القرن التاسع عشر كتب للأطفال واهتم بتربيتهم بشكل خاص إلى جانب تورغينيف وتيليشوف واندرييف وكوبرين وغيرهم من القامات الروائية في قرن الكبار. أسوق هذه التفاصيل النادرة التي قد يعرفها بعض من يكتبون للطفل وأتساءل.. كم من الروائيين والروائيات العربيات الكبار أو النجوم في السرديات العربية المعاصرة كتب للطفل في مثل روحية ودوافع كاتب مثل دوستويفسكي أو تولستوي أو تشيخوف، وغيرهم ممن حاولوا بالكتابة حماية الطفل من العنف وثقافة التعصب وفكر الظلام والعبودية والاستغلال؟. ما كان سائداً من ظلم وظلام في عهد القيصر الروسي القديم يتكرر اليوم في عهد القيصر الجديد، وفي أماكن كثيرة من العالم يعيش فيها الأطفال تحت خط الرعب واليتم والغرق والجنون المنظم والتيه الذي لا ينتهي عند حد بسبب أنانية وعبث ولا مبالاة الكبار.. والكبار هنا هم كبار الحروب والسياسة والمصالح العابرة للقارات على ظهور الحزبيات النفعية والطائفيات والمذهبيات المجرمة. وقف الروائي الروسي أمام الطفل بجسده الكبير ليحمي خلفه جسد الطفل الصغير من التوحش والقسوة.. وهو موقف أدبي ثقافي أخلاقي.. نستعيده اليوم منذ القرن التاسع عشر.. وأعيننا على موقف روائي جديد يحمي أطفال الحروب من صناع وخدام الحروب بقياصرة جدد. yosflooz@gmail.com