×
محافظة المنطقة الشرقية

استراحات الساحل تشهد زحام المسافرين لأداء صلاة الغائب

صورة الخبر

خوفي من السفر جوا لا علاقة له بالطائرات. وأحد مصادر ذلك الخوف هو ركوب الباص الأرضي. وتحديدا الباص الممل الذي ينقل الركاب من مبنى المطار إلى الطائرة، ومن الطائرة للمبنى. هذه ــ في نظري ــ من التجارب المقلقة؛ لأنها تحتوي على الجوانب البيئية المخيفة. تستوعب هذه المركبات في بعض الأحيان لأكثر من مائة راكب، ونصفهم على الأقل يقفون. وخلال الوقوف يمسكون مقابض في سقف المركبة للتثبيت، وهنا تظهر الخطورة: مائة راكب يرفعون أيديهم لمسك المقابض معناه حوالي خمسين إبط معرضة لتيارات هوائية لتنقل جزيئات تتطاير من أسطح الجلود في أجواء الباص بأريحية، وبعضها «تتشعبط» على جزيئات الهواء ليتنفسها الجميع.. فكرة مخيفة. أضف إلى ذلك أن وجبات البشر اليوم عموما أصبحت تحتوي على كميات هائلة من البروتينات، والبهارات، وكل هذه تنتقل إلى سطح الجلد.. فكرة مقلقة. وهناك المزيد من المعلومات، ولكن سأتوقف هنا؛ لأنني أعتقد أن الصورة واضحة. حاسة الشم من الحواس التي لا نعطيها حقها من التأمل والتقدير بالرغم من أهميتها. لاحظ أنها من أهم الحواس المقرونة بالذكريات التي قد تعود إلى فترات طويلة جدا، سواء كانت طبخ أمهاتنا أو عطور آبائنا. بعضها يضع ابتسامة على وجهنا، والآخر قد يذرف الدموع، وبعضها قد يحرك منظومة القرف من عضلات و«سد» نفس. ولا نعلم آلية استرجاع هذه الذكريات، ولكننا نشعر بآثارها المختلفة. وتقدر الروائح التي نستطيع أن نتعرف عليها بحوالي عشرة آلاف رائحة مختلفة. وهي كثيرة جدا لدرجة أن ليس لدينا المصطلحات الكافية لوصفها في أي لغة من لغات العالم مهما حاولنا. يعني ممكن أن نقول رائحة عطرية، وجميلة، وحلوى، وناعمة، ومميزة، وشهية، ووردية، ومن جانب آخر ممكن أن نقول رائحة كبريتية، وعفنة، وشبه عفنة، وباص المطار. وكل هذه طبعا لا تعطي الموضوع حقه من الوصف الدقيق، أو الشامل. ومن الغرائب أن بعض المدن بأكملها لا تعطي موضوع حاسة الشم الاهتمام الكافي واللائق. أتذكر في أحد المطارات الدولية كان هناك دورة مياه شبه معطلة في مدخل مبنى الوصول. والمقصود بشبه معطلة أنها كانت فواحة ــ أعزكم الله ــ بروائح غير جيدة، ولكنها كانت تعمل، وبالتالي فلم تر إدارة المطار المعني أن هناك خللا، وأصبحت علامات الترحيب بكل من يزور تلك المدينة رائحة هي عبارة عن توليفة النشادر، والكبريت، والعناصر الغريبة الأخرى التي تضع مفهوم «الطهارة» في معناه الدقيق. وعلى صعيد آخر، فقد ظهرت مؤخرا محاولات في مجال الدراسات العمرانية تسعى للتركيز على موضوع الروائح بداخل المدن، سواء كانت طبيعية من مصادر النباتات، أو صناعية من الأفران ودور القهوة وغيرها. واستغربت لأنني تذكرت أن الأسس لكل هذه الدراسات قديمة جدا. وتحديدا، ففي القدس التاريخية الجميلة ستجد الاهتمام بجميع الأحاسيس، ومنها حاسة الشم. وأخص بالذكر أنه عند دخولك للمدينة العتيقة من بواباتها الرئيسة سواء كانت من الشمال، من باب العامود، أو الجنوب من بوابة الأسباط، ستسير في طريق «الواد» الرئيس إلى أن تدلك حاسة الشم إلى طريق يوصلك إلى ساحة المسجد الأقصى وهو حي العطارين. وهذا الزقاق المغطى هو عبارة عن تجمع لمحلات العطور، والبهارات، والزيوت. وفي آخر الزقاق ستجد أحد أشهر محل الحلويات الشرقية الرائعة في البلدة القديمة وهو محل «زلاطيمو». يعني التجربة كلها ورد، في فل، في بهارات وآخرها بقلاوة. وكل هذه ستحملها في ذاكرتك أثناء توجهك لأجمل الساحات في العالم، وهي ساحة المسجد الأقصى الشريف. أمنية نتنفس حوالي 23 ألف مرة يوميا، وتبدأ حياتنا ــ بمشيئة الله ــ بنفس، وتنتهي ــ بإرادة الله ــ بنفس. أتمنى أن نهتم بكل واحد منها وبالبوابة الأساسية التي تنفذ بها هذه الأنفاس، فهي من أروع نعم الله علينا. وهو من وراء القصد.