ما بين 1973 و2013 أربعون سنة تغيرت فيها أحوال كثيرة في عالمنا كله. من العبث التوقف عند ذكر التغيرات فهي تشمل كل شيء.. ما من شيء يتنفس بقي كما هو.. لا الإنسان ولا البيئة، ولا الحياة البحرية أو النباتات أو مصادر المياه أو أقل من ذلك وأكثر. كل شيء تغير باستثناء شيء واحد يسمونه «واقع السينما العربية». هذه، نظريا، لا تزال مطروحة بوصفها مشكلة تراوح في مكانها. نعم، في عام 1973 عقدت ندوة على هامش مهرجان دمشق السينمائي تنادى خلالها المجتمعون ببحث واقع السينما العربية وما مستقبلها محتمل الحدوث. بعض الذين حضروا ندوة 1973 كانوا موجودين في ندوة 2013 التي دعا إليها مركز دراسات الوحدة العربية، وهو مركز جاد ومرموق وضم عددا من النقاد والمتحدثين بلغة النقد، وانتهت أعمالها في الوقت المناسب قبل حلول الأعياد الأخيرة. كل واحد من الحاضرين خاض متسائلا وشارحا ومحللا، ثم عاد من حيث أتى. البعض دعا إلى إجراء مثل هذه الندوات البناءة مرة كل سنة. وهي بالفعل لم تتوقف تماما منذ سنة 1973 إلى اليوم.. ربما لم تقع في كل عام، لكن الحديث ذاته (وعندي نصوص الندوة المشار إليها) والعناوين نفسها والمتحدثين، أحيانا هم أيضا «على حطة إيدك» لا يتغيرون. كيف سيتغيرون إذا كان الموضوع الكبير لا يتغير: وضع السينما العربية اليوم وملامحها المستقبلية. دائما ما يدور الموضوع حول «أزمة» السينما العربية والحلول المقترحة لها. أحيانا ما تتخذ الندوات والمؤتمرات والكتابات عنوانا بات كاريكاتوريا هو: «السينما العربية إلى أين؟». لا بد أننا الدول الوحيدة في العالم الأكثر انشغالا بهذا الموضوع من أي مجموعة دول أخرى متجانسة. هناك بالطبع مكتب أوروبي يتبع الاتحاد الأوروبي يرصد سينمات دوله ويعاين أوضاعها، لكن السينمات الأوروبية موجودة فعليا بصفتها صناعات داخل كل بلد على حدة. وهناك اتحاد سياسي واقتصادي وثقافي وأمني أدى طبيعيا إلى تفعيل هيئات رسمية فاعلة لحل أي قضية أو تفعيل أي قرار من شأنه تنشيط هذه السينمات. لا أحد يتحدث عن «أزمات» قدر حديثنا نحن. وفوق كل هذا لا نصل إلى قرارات وحلول.. كيف نفعل ذلك وليس هناك، حسب المنشور من نصوص الندوة الأخيرة، اتفاق على ماهية هذه الأزمة؟ يدخل المرء ندوات كهذه ليجد أن عدد الأزمات هي بعدد المتحدثين.. كل يرى أزمة ما أو يفسر الأزمة الواحدة حسب رؤيته.. والأفكار غزيرة.. هذا يقترح مجلة سينمائية فصلية، وذاك يريدها شهرية، لكن الثالث يرفضها تماما.. آخر يقول إن الأزمة تستدعي إعادة خلق مجتمع سينمائي، لكن آخر يجد أن الفنون تتصارع فيما بينها ويقترح إجراء مصالحة، وهناك من أكد أن «السينما صور متحركة» (مبروك)، وحاول أحدهم بيع مشروعاته من الكتب السينمائية الجاهزة.. في النهاية هذا طالب وهذا أوصى، والجميع عاد. هل هناك أزمة؟ لا. لقد جرى حل «الأزمة» منذ حين فلم تعد هناك أزمة لأنه لم تعد هناك صناعة فعلية كاملة المواصفات ومستوفية الشروط. ما هو متوفر بكثرة عدد المتحدثين باسمها.