تعرضت الأسواق المالية، مرة أخرى خلال هذا الأسبوع، إلى اضطرابات إثر أحداث وقعت كانت منذ وقت ليس ببعيد مستبعدة إنْ لم تكن غير واردة الحدوث. وكانت النتيجة تقلبات كبيرة وقعت في يوم واحد مع مسار تنازلي ملموس. هناك ميل طبيعي لتفسير كل هذه التطورات بصورة مفردة. ولكن ذلك قد يكون من قبيل الأخطاء؛ إذ إن كل تطور منها يخضع لتأثير الظواهر الشائعة، بما في ذلك التقليل من شأن فعالية سياسات البنوك المركزية. وقد يكون لذلك أيضًا عواقبه الوخيمة التي هي أكثر شدة إذا كانت الاضطرابات تنفذ إلى مختلف مناحي الاقتصاد الحقيقي. وتدل قائمة جزئية للتطورات الكبيرة اللافتة للانتباه هذا الأسبوع على درجة من التقلبات التي نشهدها: - تزايدت أسعار الأسهم في كثير من البنوك الأوروبية، وسط عمليات بيع القطاع المصرفي العالمية، وتداولت عند مستويات لم تشهدها منذ عقود. - أنهت أسعار الوقود جلسة تداول شديدة التقلب الخميس الماضي مسجلة مستوى يربو قليلاً على 25 دولارًا للبرميل، وهو المستوى الذي لم يشهده العالم منذ عقود. - انخفضت عوائد السندات الأوروبية إلى مستويات مذهلة غير مسبوقة. - خفض البنك المركزي السويدي سعر الفائدة لديه لأدنى من المستوى الصفري، حتى 0.50 نقطة مئوية من مستوى 0.35 نقطة مئوية السابق. - في أسواق العملات الأجنبية، تراجع الدولار مقابل عملات الدول المتقدمة، وأبرزها الين الياباني. - سجل مؤشر داو جونز الصناعي الخميس الجلسة الـ28 له على التوالي مع تحركات خلال اليوم لأكثر من مائتي نقطة. - استعاد الذهب بريقه في التداول بعد فترة طويلة من الإهمال، حيث ارتفع سعر الأونصة يوم الخميس مسجلاً 1263 دولارًا. هذه بعض الأمثلة على الأسواق المتقلبة وغير الاعتيادية، كما أنها تتابع في الوقت ذاته عددًا كبيرًا من التطورات غير العادية، بما في ذلك انخفاض أسعار النفط والتي يعتبرها الغرب لعنة من اللعنات الكبيرة بدلاً من كونها فائدة إلى جانب المستثمرين المجبرين على تحمل تكاليف امتيازات الاستثمار في نحو 30 في المائة من المخزون العالمي للدين الحكومي. من الطبيعي للمعلقين الاقتصاديين النزوع إلى التفسيرات الفردية لكل تطور من التطورات المذكورة، غير أن تلك المقاربة لا تمنحنا ما يكفي من الشعور بما يحتمل أن يحدث لاحقًا. تدل القائمة المطولة من التطورات غير المتوقعة على وجود نظام عالمي ينذر بحدوث تحول كبير - بعيدًا عن النظام الذي تقمع فيه البنوك المركزية وبشكل فعال التقلبات المالية العالمية وفي اتجاه نظام آخر من التقلبات الشديدة والتي يتعذر التنبؤ بها تمامًا، وفي كلا الاتجاهين. حتى الآن، تم احتواء الأضرار التي نتجت عن التقلبات المالية المتزايدة للقطاع المالي، مما اضطر بالبعض إلى تخفيض أو إعدام الديون. ولم يتحول الأمر بأي شكل مفهوم إلى نشاط اقتصادي حقيقي. ويعد هذا من حسن الطالع؛ إذ إن الاقتصاد غير مهيأ في الوقت الراهن لتحمل مزيد من التحديات. يعمل الاقتصاد الأميركي بمنتهى الجدية فعلا - ويحقق نجاحات معتبرة حتى الآن - في تجاوز الرياح المعاكسة الناجمة عن ضعف لنمو في بلدان أخرى. ويمكن للتقلبات المالية المستمرة أن تضيف زخمًا إلى هذا المسار من خلال جعل العائلات والشركات أكثر تفاديًا للمخاطر. إذا أصابت المستهلكين الاضطرابات إثر الأسواق المالية الملتهبة، وخصوصًا حيال آثارها على الاستقرار والمقدرة على التنبؤ بالاستثمارات والمعاشات التقاعدية إلى جانب توافر التمويل، فيمكنهم اتخاذ القرار بتخفيض الإنفاقات، ويمكن للشركات عندئذ ترجيح كفة نفقاتها الاستثمارية. ومن شأن ذلك أن يزيد من إضعاف الأسواق، مما يهدد بمجموعة من التبعات والتراجعات. ولحسن الحظ، أن ذلك لم يحدث حتى الآن، ولكنها لا تزال مخاطرة علينا مراقبتها بحذر في الأسابيع المقبلة.