ربما يكون الخوف لا الحب هو الدافع الذي يبقي بريطانيا في الاتحاد الاوروبي عندما يدلي الناخبون بأصواتهم في استفتاء قد يجري في يونيو حزيران على البقاء في التكتل الأوروبي الذي يضم في عضويته 28 دولة بموجب "التسوية الجديدة" التي توصل إليها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون. ورغم أن عددا قليلا من الناخبين قد يحركه ما طرأ على شروط العضوية من تعديلات طفيفة فإن تراجع العملة البريطانية وهبوط أسعار الأسهم والمخاوف بشأن قيم العقارات كل ذلك قد يدفع عددا كافيا من البريطانيين لاختيار الأمر الواقع في اللحظات الأخيرة بدلا من القفز إلى المجهول. فهذا هو السبيل الذي تمكنت من خلاله المؤسسة السياسية البريطانية من الحفاظ بأعجوبة على المملكة المتحدة في عام 2014 عندما أغرى الناخبين الاسكتلنديين حلم يرجع إلى مئات السنين بتحقيق الاستقلال عن انجلترا فآثروا السلامة في نهاية الأمر واختاروا الأمر الواقع. وهو أيضا سيناريو معقول بالنسبة للتصويت على البقاء في الاتحاد الاوروبي خاصة أن قرار الانسحاب سيعيد فتح المسألة الاسكتلندية. والبريطانيون العاديون الذين تغريهم فكرة التخلص من "أوروبا" غير المحبوبة قد يختارون الاستقرار لتجنب الغموض الاقتصادي بدلا من المجازفة باضطرابات مالية وسياسية. وفي اسكتلندا واجه روب شورتهاوس مدير العلاقات العامة بحملة "معا أفضل" مشاكل لتندره قائلا إن استراتيجيته هي "مشروع الخوف". وأثارت فكرة تركيز دعاة الوحدة على تخويف الناخبين الاستياء في المعسكر القومي المؤيد للانفصال لكن ثبتت فعاليتها. ويتهم المشككون في الوحدة الاوروبية كاميرون بالتخطيط لحملة تخويف مماثلة الآن لكن الأحداث قد تنتج الأثر نفسه حتى من دون أي تدبير سياسي. وقبل أسبوعين فحسب من التصويت على استقلال اسكتلندا في سبتمبر ايلول عام 2014 أظهر استطلاع واحد للرأي أن أنصار الاستقلال حققوا تقدما بسيطا للمرة الأولى. وأدى ذلك لاهتزاز أسواق المال ودفع البنوك وشركات التأمين لإعلان خطط طارئة لنقل مقارها خارج الحدود البريطانية وسط الغموض الذي اكتنف التوقعات عن العملة التي ستستخدمها اسكتلندا المستقلة. وفي الأيام الأخيرة من حملات استمالة الناخبين قبل الاستفتاء كانت لعوامل القلق الاقتصادي الغلبة على روح المغامرة السياسية وسارع قادة بريطانيا إلى اسكتلندا لابلاغ الناخبين إلى أي مدى تقدرهم بقية أنحاء المملكة المتحدة وكيف أنهم "أفضل حالا معا". وكان الإقبال على التصويت قياسيا إذ بلغ 84.6 في المئة صوت 55.3 في المئة منهم لصالح الاتحاد مقابل 44.7 في المئة. ومن التهوين القول إن البريطانيين أقل ارتباطا عاطفيا بالاتحاد الاوروبي من ارتباطهم بالوحدة الوطنية. مع ذلك فإن الضرر الإقتصادي المحتمل من خروج بريطانيا من الاتحاد قد يكون أكبر من الضرر الذي قد يقع من خروج اسكتلندا من بريطانيا وربما يكون الخروج الأول سببا في إطلاق شرارة الخروج الأخير. ويقول المتنبئون الاقتصاديون إن الاقتصاد البريطاني قد يصاب بانتكاسة كبيرة إذا قررت بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الاوروبي بسوقه الضخم الذي يضم 500 مليون نسمة وسياساته المشتركة في السياسة الخارجية وحرية انتقال رأس المال والبضائع والخدمات والناس. ولن يسري خروج بريطانيا من الاتحاد على الفور بل سيستغرق عدة سنوات يسودها الغموض والاتهامات ريثما تتفاوض بريطانيا على علاقة جديدة مع الاتحاد الاوروبي. ومن المؤكد تقريبا أن حي المال في لندن والذي ازدهر كمركز للتعاملات الخارجية في تداولات اليورو سيفقد بعضا من مكانته. وتتباين الآن الآراء بشدة في مدى ما سيفقده من مكانة. ويقول المشككون في الوحدة الاوروبية إن أنصار الاتحاد الاوروبي روجوا للفكرة نفسها وقالوا في أوائل الألفية الجديدة إن حي المال سيذوي ويندثر إذا لم تنضم بريطانيا للعملة الاوروبية الموحدة. وحدث العكس إذ ازدهر المركز المالي. غير أن الخروج من الاتحاد الاوروبي سيمثل تحديا مختلفا. وتستخدم بنوك أجنبية كبرى لندن كمنفذ أوروبي بسبب مبدأ يعمل به الاتحاد الاوروبي يجيز لمؤسسة تعمل في إحدى الدول الأعضاء العمل في مختلف أنحاء أوروبا. ويقول مصرفيون إن بعض البنوك تضع الآن خططا طارئة لنقل أنشطة معينة وبعض موظفيها إلى دبلن أو فرانكفورت في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. وبمرور الوقت سيلحق تراجع عدد المصرفيين العاملين وتراجع الاستثمارات الضرر بقيم العقارات. كذلك فإن الغموض الذي يكتنف وضع نحو 2.1 مليون شخص يعملون في الاتحاد الاوروبي في بريطانيا قد يؤثر سلبا أيضا على سوق الإسكان. وحيث أن الأسواق تميل لتوقع المخاطر السياسية والتحوط لها فمن المنطقي افتراض أنه إذا ظهر من استطلاعات الرأي أن حملة الدعاية "للخروج" متقدمة في أواخر مايو ايار أو أوائل يونيو حزيران فإن بعضا من هذه الأضرار قد يبدأ في الظهور قبل الاستفتاء. وقد قدر بنكا جولدمان ساكس وسيتي الأمريكيان أن الجنيه الاسترليني قد يفقد ما بين 15 و20 في المئة من قيمته مقابل العملات الرئيسية إذا فاز معسكر "الخروج". وقد يبدأ تراجع الاسترليني في المرحلة الأخيرة من حملات الدعاية في الوقت الذي يبدا فيه استعداد الطبقة المتوسطة لموسم العطلات الصيفية في منطقة اليورو. ورغم أن الكثير من الشركات البريطانية لزمت السكوت فيما يتعلق بتأييد الاحتفاظ بعضوية الاتحاد الاوروبي لتجنب إغضاب حملة الأسهم أو عملائها ممن يؤيدون الخروج فإن عدم استقرار العملة وخسائر سوق الأسهم والتجميد الأولي للاستثمارات قد يدفعها لرفع أصواتها. وحتى كبار أنصار الاتحاد الأوروبي من أمثال تشارلز جرانت مدير مركز الإصلاح الاوروبي ومقره لندن يسلمون بأن حملة الدعاية "للبقاء في عضوية الاتحاد الاوروبي" ستواجه صعوبات في إقناع الناخبين بإيجابيات الاحتفاظ بالعضوية. وقال جرانت في لقاء في بروكسل "توجد أسباب عديدة للتشاؤم فيما يتعلق بالحملة. حملة الخروج لديها حجج جيدة ظاهريا... وقطاع الشركات الكبرى محزن ورعديد." ويقول المعارضون إن بريطانيا لا يمكنها بمقتضى اللوائح السيطرة على حدودها الوطنية لمنع العمال المهاجرين وإن من الأفضل إنفاق صافي المساهمة البريطانية في ميزانية الاتحاد الاوروبي على الخدمات الصحية في بريطانيا وإنه يجب عدم السماح لقضاة أجانب في محكمة العدل الاوروبية بإصدار أحكام تبطل قرارات المحاكم البريطانية. وقال جرانت إن من الصعب على الجانب الآخر تقدير الكثير من فوائد العضوية في الاتحاد الاوروبي في التجارة العالمية والنفوذ السياسي الدولي وكذلك الأعراف والقيم المشتركة وتفسيرها ببساطة. ومن هنا كان الإغراء لأنصار الاتحاد الاوروبي التركيز على ما قد تفقده بريطانيا - إذا كانت نتيجة التصويت الانسحاب - متمثلا في الاستثمارات الخارجية والوظائف والأمن. وقد لا يكون "مشروع الخوف" هو الاستراتيجية الرسمية لكنه من المرجح أن يلعب دورا كبيرا في تشكيل التصويت في الاستفتاء.