يؤكد علماء النفس أنّنا غالباً ما نميل إلى الاعتقاد بأن الجميع يراقبنا كما لو كنّا على خشبة مسرح، ينظر إلينا الجمهور وهذا شعور وهمي. ولكن في المقابل يؤكد آخرون بوجود مثل هذه الأحاسيس عند الأشخاص الذين يعانون مشاكل في الاقتناع بصورة أجسامهم (body image)؛ ومن الأمثلة على ذلك ما يحدث في الصالات الرياضيّة، حيث يخجل بعض الشباب من ارتداء ما يكشف عن الدهون في أماكن البطن فيفضلّون القيام بالتمارين، وهم بثيابهم الرياضيّة الكاملة. أو عدم خروج الفتاة من المنزل دون إسدال شعرها بالكامل لتغطية شحمة أذنيها الطويلتين شيئاً ما وغيرها من الأمثلة. ولأنّ معظم الناس مشغولون بالتفكير في أنفسهم ولا وقت لديهم لمراقبة أفعالنا أو أشكالنا، يجب علينا التوقف عن توليد الأفكار السلبية عن أجسامنا وإجراء مقارنات الذات السلبية، والشعور بأنّنا مختلفون عن الآخرين، والشعور بعيب ما في صورتنا، والتقليل من احترامنا للذات، والشعور بعدم القدرة أو السلطة. لذلك نضع بين يدي القارئ هذه النقاط الـ 6 التحذيريّة لنتائج عدم التسامح مع النفس وقبول ما منحنا الخالق من صورة. 1- المقارنة السلبيّة للذات أحياناً لا تكون كلمات الآخرين هي السبب وراء مشاعرنا السلبيّة، بل مقارنة أنفسنا بهم وقياس ما لديهم على ما لدينا هو السبب الحقيقي. ويؤكد علماء النفس أنّنا جميعاً مختلفون، ولكن لدينا ميل لمقارنة أنفسنا بالآخرين. إنها الطبيعة البشرية، وإذا بقي ذلك في حدود التعلّم منهم فهذا جزء مهم من عملية صنع القرار الحاسم، أمّا إذا تم استخدامه لتعزيز صورة سلبية عن الذات، فهي عادة غير صحيّة يجب التخلّي عنها. ومن الأمور المساعدة على ذلك أن تقنع نفسك بأنّ ما تفعله أنت تأكد هو ما يجعلك أكثر سعادة، لا ما تنقله من الآخرين أو ما يحاولون إقناعك به. وممّا يساعد أيضاً تعلم مهارة جديدة تعزّز ثقتك بنفسك من خلال تنفيذها دون الحاجة لغيرك كتحسين سرعة القراءة الخاصة بك وتعلم كيفية كتابة الشعر، تدريب نفسك للعمل بسرعة أكبر، وتعلم كيفية ارتداء ماكياج أفضل، كيفيّة العثور على الملابس التي تناسب مظهرك، تعلم كيفية إدارة وقتك بشكل أفضل، تغيير عادتك لتقترب من الصحيح... وما إلى ذلك من مهارات تنفذها لأنّها تشعرك بالرضا عن نفسك، وليس لأنك تشعر بأهميّتها للآخرين. 2- التمرّد على الذات إن قبول الذات أو ما يعرف في العلوم النفسيّة بمصطلح self-acceptance هو رضا الفرد أو التسامح مع نفسه، ويعتقد أنه ضروري للصحة النفسية الجيدة. وقبول الذات ينطوي على فهم الذات، الواقعية، الوعي بنقاط القوة والضعف الموجودة داخلنا. ويعتبر قبول الذات في علم النفس الإكلينيكي وعلم النفس الإيجابي، شرطاً أساسيّاً للتغيير ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال وقف انتقاد الذات وإلصاق العيوب إليها أو تضخيم النقص فيها. ونتيجة لذلك، فقبول الذات يعني الاستعداد لتجربة الأفكار والمشاعر والعواطف دون إنكار أو تهرب. على سبيل المثال، افترض أنك اليوم لست في المزاج المناسب للعمل بالرغم من أنّك تعلم أن لديك مشروعاً يجب أن يكتمل! الشخص الذي يفتقر إلى القبول الذاتي يحاول إنكار أو قمع هذه المشاعر، ويعبّر عن ذلك جسدياً في شكل من الإحباط والتوتر والضجر أو حتى الغضب. أمّا الشخص الذي يتقبّل ذاته فيعترف بعدم وجود مزاج للعمل، ولكن بدلاً من محاولة محاربة مشاعره فإنّه يتقبّلها ويبدأ في المشروع. 3- تضخّم العيب ترتبط مشاعر العيب الذاتيّة بثقافة العيب التي نشأنا عليها وأكثرها عبارة عن تقاليد وموروثات اجتماعيّة وليست قواعد أخلاقيّة أو سلوكيّة صحيحة. وتؤثر هذه الثقافة بشكل مباشر في عمليّة بناء الشخصيّة السليمة فتدفع بطريقة سلبيّة باتجاه تغيير أفكارنا وأفعالنا وحتى تقبّل قدراتنا الجسديّة، وما يناسبها من أعمال. فمن العيوب الاجتماعيّة التي تترسّخ على سبيل المثال أن تتوافر فرص عمل بسيطة أمامنا، لكنَّ الكثير مِن الشباب وبسبب ثقافة العيب ينظرون إليها على أنها مِن الوظائف الدونيَّة، في حين يوجد لدَيه الاستِعداد للهجرة إلى الخارج، مع القابليَّة للعمل بمهنة دونيَّة -كغسيل الأطباق مثلاً- في الوقت الذي يخشى أن يعمل بها في بلاده بسبب الخجَل ومَخافَة العيب. أمّا التشوهات الخلقية والعيوب الجسمية وفقدان بعض الحواس فهي نوع آخر من العيوب، التي في حال لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح، سوف تؤثر في نفسيّة صاحبها ومنها العرج، الشلل، النحافة البدانة، فقدان البصر أو السمع والكلام. ويمكن تلافي ذلك بمحاولة تنمية القدرات السليمة الأخرى وعدم السخرية أو العطف الزائد الذي من شأنه أن يزيد تفاقم العقدة النفسيّة. 4- الشعور بالضعف إنّ الربط بين شكل الجسم وقوّته هو أمر مهم عند العديد من الناس. لذلك يميل أصحاب الأجسام الرياضيّة دائماً إلى إظهار قوّتهم والتفاخر بها أمام الآخرين، فيما يتوارى أصحاب الأجسام العاديّة أو الضعيفة عن الأنظار ظنّاً خوفاً أو خجلاً. والحقيقة أنّه بالرغم من أهميّة البعد الجسدي للإنسان وتأثيره على نفسيّته فإنّ القدرة والقوة ليست محصورة فيه. فكم من مدرّس قصير القامة في فصل من الفصول وله بالغ الهيبة والاحترام، وكم من لاعب كرة سلّة ليس طويل القامة، ومع ذلك قائد لفريقه. لذلك يجب الالتفات إلى قدراتنا النفسيّة والعقليّة عندما ننظر إلى أنفسنا نظرة تقييم، دون أن يعني ذلك إغفال أهميّة الصحّة الجسميّة. 5- خلق مسافة مع الآخرين ينشغل بعض الناس في التفكير في ماهيّة نظرة الآخرين إليهم عند اللقاء الأول مثلاً، وقد يساعد عدم معرفتهم في مهارات التواصل، وفتح الحوار في خلق حاجز ومسافة تصبح طويلة شيئاً فشيئاً بينهم وبين الناس. ويؤكد علماء الاجتماع في هذا السياق أنّ الرضا عن النفس هو المفتاح الوحيد للدخول إلى العالم الاجتماعي وكسر الحواجز الوهميّة من الخوف والإحباط التي يبنيها البعض في نفسه. ومن أهم البواعث على خلق مسافات مع الآخرين هي الشعور بالذنب اتجاههم بطريقة واعية أو غير واعية. ويقول علماء النفس أنّه غالباً ما يتمسّك المرء بمشاعر الذنب حين يحسّ بالتهديد وبعدم تقدير أو حب الآخرين له، أو قد يشعر بالضعف بسبب خلل معين في علاقاته أو تجاربه الماضية. في هذه الحالة، يلجأ إلى مشاعر الذنب ليحاول استعادة سيطرته على الوضع. لكن لسوء الحظ، هو لن يحصل مطلقاً على مراده عن طريق الشعور بالذنب أو بث هذا الشعور في محيطه. فبدل توثيق العلاقات القائمة، قد تؤدي مهاجمة الآخرين وإلقاء اللوم عليهم إلى توسيع المسافة بين الطرفين. 6- أنت إضافة عند تبرز للآخرين يجب أن تكون واعياً ومتصالحاً مع نفسك فهذا يمنع الوقوع في النتائج سلبية المتعددة التي ذكرناها سابقاً. ومن المهم أن ندرك أننا لسنا تحت المجهر باستمرار، وأننا نملك في ذواتنا جزءاً من الجمال المتنوّع. تذكر بأن مكوناً رئيسياً من مكونات الجمال هو التنوّع الذي تضيفه أنت إلى المجموعة الإنسانيّة الناقصة من حولك. للمزيد من أحداث الدراسات التي تربط بين ممارستنا اليومية وأوضاعنا الصحية اطلعوا على المضمون المنشور تحت وسم #جسمي_يتفاعل