هناك إشكالية شرعية كبيرة يقع فيها -تحمسًا- كثير من الناس، وهي على عكس المفهوم الشرعي في الكتاب والسنة، فالإسلام حذر من المعاصي وجعل منها كبائر وصغائر، وحرَّم وجرَّم كلَّ كبيرة وسمَّاها موبقاتٍ وجعل لها حدًّا وعقوبةً في الدنيا والآخرة، ومن يقع فيها يقع في السيئات، ومع كل ذلك، فإن التوجيه في التعامل مع العاصي (صاحب المعصية) هو الرفق وعدم الكره والمبالغة في إقصائه وازدرائه، والنَّيل منه لأن المستهدف في البغض والكراهية هو «المعصية» لا «العاصي»، إن كره العاصي وازدراءه هذا التصرف -بحد ذاته- من المعاصي التي تستوجب التوبة خاصة إذا كانت مصحوبة بالتعالي، والتألّه على الله بعدم قبول التوبة، وهناك حادثتان في العهد النبوي الكريم تشيران إلى ضرورة حفظ حق العاصي في عدم جواز غيبته، ولعنه، والنَّيل منه، فقد ثبت في صحيح البخاري أن أحد الصحابة ممّن أقيم في حقه حد شرب الخمر، قال أحد الصحابة بعد لعنه: ما أكثر ما يؤتى به؟ فغضب الرسول الرحيم عليه الصلاة والسلام، ونهى عن النَّيل من صاحب المعصية، وقال: وما يدريك أنه يحب الله ورسوله، أمّا الحادثة الثانية فهو المرأة التي أقيم عليها حد الزنا، ورُجمت وتكلّم فيها أحد الموجودين، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لكفتهم. إن صاحب المعصية معرّض لنفحات الله والتوبة، فقد يغلب إيمانه في يوم من الأيام إيمان مَن كان ينال منه ويكرهه، ولا تدري قد يقود تعيبه وتحقيره والنّيل منه بسبب ما هو عليه من معصية أن يعافيه الله ممّا هو فيه، ويبتليك لأن إتيان المعاصي قد يكون ابتلاءً وقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء. وهناك العديد من الشواهد القديمة والمعاصرة التي تدل على هذا، أن من المقرر شرعًا وعقلاً أن المعصية شؤم على صاحبها، وأن المعاصي تقود إلى ظلام القلوب، وأن التعوّد عليها وعدم التخلص منها بالتوبة يوطّن الذنوب في القلوب فتنكفئ إلى الداخل ويحل عليها غضب الله؛ لذلك فإن النظرة من الله أصلاً إلى أصحاب المعاصي نظرة رحمة حتى ولو كانوا غارقين إلى أذانهم في الذنوب والمعاصي، فإن الله يناديهم بقوله: (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا أنه هو الغفور الرحيم)، لنتعلم من الله، ونستمد منه المنهج في التعامل مع أصحاب المعاصي، فنضمر لهم الحب والرحمة والشفقة، ونتعامل معهم باللطف، ونوضح لهم خطورة ما أتوا من الذنوب والمعاصي، وكره الله سبحانه لما أقدموا عليه، وأن الله (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب) فلا ينسون وهم يقترفون السيئات ويستمرئون المعاصي إنما هم يقلون الأدب مع الله، وأن من يعصونه عظيم بيده ملكوت السموات والأرض، وأن عدم الاسراع بالتوبة قد ينزل عليهم عذاب من عنده، فليستحيوا منه، ولا يكونوا من الذين لا يقدرون الله حق قدره. Prof.skarim@gmail.com