في يوم الجمعة الماضي انتهى مؤتمر ميونخ حول الأزمة السورية بما يمكن تسميته بتفاهم أمريكي - روسي على تأجيل كل شيء حول الأوضاع في سوريا لحين الوصول إلى وضع على الأرض متفق عليه بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. هذا التفاهم أخذ اسم اتفاق ميونخ بين جميع الأطراف الدولية والإقليمية يوفر إمكانية وقف العمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع على كافة الأراضي السورية. حظي هذا الاتفاق بموافقة جميع الأطراف التي سارعت وقبل مغادرة كواليس المؤتمر عن استعدادها لتخريبه وفق ما لم يتفق عليه. السيد لافروف وزير الخارجية الروسية سارع إلى التصريح بأن روسيا لن توقف غاراتها العسكرية على المنظمات الإرهابية بما فيها بعض تلك التي شاركت في مؤتمر الرياض. روسيا التي صرحت سابقاً بقبولها لمشاركة هذه المنظمات في حوار السلطة والمعارضة. والسيد كيري وزير الخارجية الأمريكي، كرر بدوره معارضة أمريكا لاستمرار الغارات الروسية، وثمن الموقف السعودي للمشاركة في قوات تدخل على الأرض في سوريا ضمن قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش. أما مواقف الدول الأقليمية الرئيسية السعودية وإيران فأبقت على مواقفها المعلنة وكذا فعلت قيادة المعارضة السورية الجامعة المنبثقة عن مؤتمر الرياض. ماذا بعد ميونخ وتحديداً ماذا سيحدث على الأرض وما هو الاتفاق أو التفاهم الأمريكي الروسي الذي يعمل على الأرض؟. من يشاهد وسائل الإعلام العربي أو الناطق بالعربية، ومعظم الإعلام الغربي، لن يجد سوى المتاهة، متاهة يدير تفاصيلها المضللة جون كيري وسيرجي لافروف مع الاحترام لكل اللاعبين الدوليين والإقليميين والنظام السوري والمعارضة السورية. وبما أن سر اللعبة الدولية ليس في سوريا فقط وإنما في مناطق أهم بكثير كما هو الحال في أوكرانيا وبلدان أوروبا الشرقية وبلدان آسيا الوسطى وشرق آسيا، حيث تلعب روسيا دور المشاكس وليس المنافس للغرب التقليدي، أصبح الدور الروسي جديرا بتفاهم هو في أمس الحاجة إليه. في هذا السياق، يشترك كاتب هذه السطور مع كل المراقبين في أن محاولة فهم ما يجري في سوريا تحديداً هو أشبه بمن يقوم بكسر البيضة لمعرفة أصل الدجاجة. ولأن الإنسان مجبول على العمل على التفكير فيما حوله، وأمام زوابع الغبار والدخان والقتل والتدمير، يكون من مسئوليته قول شيء ربما يضيء طريقه في خدمة التزامه كإنسان مناصر للعدل ومناهض للاستبداد وقتل الأبرياء. اليوم تُدَول قضية الشعب السوري أكثر من أي قضية أخرى ويصبح مستقبل سوريا بلداً وشعباً ليس في يد أبناء سوريا بل في يد الولايات المتحدة الأمريكية أولاً وروسيا ثانياً ودول المنطقة وتحديداً المملكة العربية السعودية وإيران. روسيا ثانياً؟ نعم ولكن من خلال معرفة أو محاولة معرفة النوايا الأمريكية. ليس في ذلك استبعاد لروسيا وإنما التعامل معها بمقياس الصين ودول البريكس. روسيا لم تعد الاتحاد السوفييتي وإنما قد تمثل خياراً استراتيجياً في تحسين شروط التعامل مع القوة الأولى في العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وبتحالفات استراتيجيه تاريخية ووجدانية وشمولية مع كافة بلدان أوروبا الغربية التي لا تزال في سياساتها الواقعية تابعة بشكل أو بآخر للقاطرة الأمريكية. أمريكا هي من يروج عبر إعلام معولم ناموسه الإثارة عل دعاوى انكفائها وانسحابها من الشرق الأوسط وتوجيه بوصلة اهتماماتها بمناطق شرق آسيا وترك المنطقة لروسيا وإيران؟ يكفي لتفنيد ذلك قراءة أرقام الميزانية الأمريكية الجديدة وأوجه صرفها وأين؟. تمجيد ممجوج لأمريكا ونسيان ما فعلته وتفعله في منطقتنا وبلداننا؟ صحيح شرط استبعاد كلمة تمجيد. أمريكا عاجزة عن هزيمة داعش؟ تلك مسألة تطرح أسئلة قبل أن تطرح إدانة. الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا واستراليا وكل البلدان الإسكندنافية وحلفائها في المنطقة لا يستطيعون مواجهة روسيا في سوريا؟ المشهد السياسي القائم على قوة حقيقية منفردة على المسرح الدولي وعلى شراكة متواطئة محكومة بتناسب القوى لا يغلق الباب أمام حكومات وشعوب المنطقة - كما قد يبدو ذلك للكثيرين لسوء الحظ - وإنما يفتح أبواباً جديدة لاجتراح كل الأساليب القائمة على استثمار التناقضات القائمة بين القوى النافذة على المسرح الدولي لمصلحة انتزاع الكثير من حقوق شعوب وبلدان المنطقة وعلى رأسها حق الشعب السوري في الحياة بكرامة والخلاص من نظام قاتل لشعبه. وفي هذا السياق، يبدو إعلان السعودية عن استعدادها لمشاركة عسكرية في سوريا على الأرض لمحاربة داعش بالتوازي مع قبول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة جمهورية روسيا الاتحادية خطوة نوعية تتجاوز السياسة التقليدية الثنائية بين بلدين تحكمهما مصالح تبدو متعارضة.