تزوجت مها مبكرا قبل أن تفرغ من الثانوية. انعكست مسؤوليات الزواج سلبًا على أدائها الدراسي في عامها الأخير، ما جعلها لا تحصل على المعدل، الذي يسمح لها بدخول الجامعة. حاول زوجها بشتى الطرق مساعدتها على دخول الجامعة دون جدوى. كانت تتألم عندما تلتقي بصديقات عمرها وتسمعهن يتحدثن عن محاضراتهن وأساتذتهن واختباراتهن. سبب لها عدم دخولها الجامعة أزمة نفسية ألقت بظلالها على حياتها وحياة زوجها وأطفالهما. مرت السنوات وما زال موضوع الدراسة يشغلها ويشعلها. اعتزلت الحياة والمناسبات والزيارات حتى لا تتذكر مأساتها ومعاناتها. زادتها عزلتها ألما وحزنا ومرضا، عانت مشاكل نفسية وصحية، اختلفت مع الجميع بما فيهم نفسها. اقترحت عليها شقيقتها أن تنضم إلى منتدى إلكتروني، ساعدها هذا الموقع على تكوين صداقات مع سيدات لا تعرفهن لكنهن يشبهونها. مروا بظروف قريبة لظروفها وتجاوزنها، نثرت همومها وسطهن باسم مستعار فلم يبخلوا عليها بالرأي والمشورة، أحست مها بارتياح تدريجي وانفراج وشيك. ساعدتها صديقة افتراضية في المنتدى، وقتئذ، على التسجيل انتسابا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. حققت مها حلمها بمتابعة دراستها الجامعية، عادت السعادة إلى منزلها ووجهها بعد غياب طويل رغم الضغوط الكثيرة، واجهت مشقة وتحديات جسيمة في الموازنة بين المنزل والدراسة. كافحت من أجل استعادة لياقتها الدراسية، لكن بدد شغفها كل عقبة اعترضت طريقها. تخرجت مها وعملت في شركة كبرى في جدة، تحول إحساسها بالخجل إلى شعور بالفخر والزهو بنفسها. تشعر اليوم مها بأنها تعيش حلمها وتتأسف، لأنها صرفت عدة سنوات حزنا وكمدا، بينما كان من الأولى أن تنفقها في الأمل والعمل. إننا ننسى دائمًا أن أمنياتنا لا تأتي إلينا، وإنما نحن من يذهب إليها. حصلت مها على حلمها عندما خرجت من عزلتها وخلعت ثياب حزنها. يعتقد بعضنا أن الوحدة ستخرجه من همومه غير مدركين أنها تضاعفها وتزيدها حدة. هناك الكثير ممن يشبهوننا في معاناتهم وآلامهم، الاستفادة من تجاربهم طوق نجاة سيوصلنا إلى مرفأ أكثر أمانًا، حتى هذا الطوق يحتاج أن تسبح باتجاهه لتنجو. علينا أن نحاول ولا نفقد إيماننا بقدراتنا ومكتسباتنا وقبل ذلك الإيمان به سبحانه وتعالى. لا مستحيل إلا على الموتى. متى ما تخلينا عن الأمل تخلت عنا أحلامنا. إنه القارب الذي يقلنا إليها.