لا يحمل إعلان رئيس حكومة الكيان الصهيوني استحالة حل الصراع مع الفلسطينيين وفق مبدأ الدولتين، وأمنيته بأن يرى فلسطين التاريخية محاطة بسياج، سوى أن هذا الشخص لا يمكن الرهان عليه، وليس أهلاً للثقة والعهد، فما صدر عنه في الأيام الماضية يؤكد أن الفلسطينيين بحاجة إلى ثورة شاملة في التعامل مع الكيان الغاصب، طالما أن الخاتمة أصبحت واضحة، أي لا أمل في مفاوضات السلام، أو التسوية، كما يطلق عليها. في الواقع، أي شيء يصدر عن مسؤولي الاحتلال من أي اتجاه لا يستغرب أبداً، وفي هذه المرحلة الكئيبة من حياة القضية الفلسطينية باتت الحقيقة ساطعة وسقطت جميع الرهانات تقريباً، وبعد أن اختفى الوسطاء الدوليون، الأمريكيون منهم على الخصوص، وتجمدت اللجنة الرباعية المعمرة منذ 14 عاماً، بقي الفلسطينيون أمام جلادهم يفعل بهم ما يشاء ولا أحد يلومه، أما انسحاب الدبلوماسية الدولية من القضية فقد أعطاه ضوءاً أخضر ليستكمل ما تعطل في السابق، أما الفلسطينيون فقد تلهى عنهم أشقاؤهم وأصدقاؤهم بحروب وصراعات جوالة في المنطقة، حتى إذا عادوا لن يجدوا شيئاً قد يطالبون به، كأن ما يحصل يستهدف، من ألفه إلى يائه، خلق هذه الظروف لينعى خلالها نتنياهو حل الدولتين، ويعلن جهاراً عزمه ابتلاع كل فلسطين، قالباً تماماً معادلة ظل البعض يرددها طوال العقود الماضية حين يطالب بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، واليوم ها هو نتنياهو يعمل على اغتصابها من النهر إلى البحر أيضاً. تسربت تقارير تشير إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قد أبلغ حكومة الاحتلال بوقف التنسيق الأمني بين الجانبين، لأن هذا التنسيق الذي ولد في اتفاقية أوسلو قبل ربع قرن لم يحقق شيئاً للفلسطينيين، وها هي السلطة تكاد تنهار وتختفي من الخريطة، فلماذا يظل التنسيق، طالما يعمل نتنياهو على ألا يظل هناك مجال أو أمل لقيام دولة فلسطينية؟ وحسناً يفعل عباس بهذه الخطوة، فقبل أن تكون إجراء فعلياً هي رسالة تحذير قوية تتجاوز الكيان لتصل إلى كل الرعاة الدوليين لما يسمى عملية السلام، فالسلطة التي قيل إنها أقيمت على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، لم تكن نهاية المطاف، بقدر ما كانت مرحلة مؤقتة في انتظار الاتفاق على مجال الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وعاصمتها القدس المحتلة، وهو ما كان يفترض أن يتم في سنوات قليلة بعد أوسلو، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، ولم يترك الاستيطان وقضم الأراضي والتهويد والحصار والتهجير مجالاً لدولة فلسطينية اللهم إلا أن تظل أمنية مثل السراب يطاردها الفلسطينيون إلى أجل غير مسمى، ولن يحصلوا عليها أبداً وفق الشروط والمعادلات الحالية. فليتوقف التنسيق بين الأجهزة الفلسطينية وقوات الاحتلال، ولتحل السلطة، أو تتبخر، ولتعُد القضية كما كانت في مرمى المجتمع الدولي كله، قبل إسرائيل، وحينها ستصبح هبة أكتوبر الحالية ثورة عارمة تنفجر في وجه الاحتلال ومستوطنيه والمتخاذلين الدوليين، وإذا كان نتنياهو يعلن ضياع حقوق الفلسطينيين كاملة، فقد نسي أن حقهم في المقاومة ومواجهة هذه المظالم لم يضِع مطلقاً، والشعب الذي خدعه كيان الاحتلال سنوات طويلة، سيتبين أنه شعب لم ينخدع مطلقاً، ولم يركن إلى السكينة، إلا مكرهاً، وأملاً في أن تصحو الإرادة الدولية من تجاهلها لمشروعية مطالبه. وإذا كان وزير صهيوني قد وصف عملية نية وقف التنسيق الأمني انتحاراً للفلسطينيين، سيكتشف سريعاً أن كيانه هو الذي سينتحر، وتسقط أوهامه إلى غير رجعة. chouaibmeftah@gmail.com