العام الجديد، كاليوم الجديد، نبدأه بتفاؤل ونشاط، وننطلق عبر شهوره كما ننطلق عبر ساعات اليوم نملؤها بالمهام المتنوعة والمتعددة، بعضها قد يكون جليلا، وبعضها قد يكون تافها ساذجا، لكنها في كلا الحالين تظل مهام لا بد لنا من إنجازها. اعتدنا في مطلع كل يوم جديد أن نستقبل النهار بتفاؤل وأمل، وننطلق عبر دروب ساعات اليوم نعمل وننتج في نشاط وحماس، ويمضي بنا الوقت تتآكل معه طاقتنا شيئا فشيئا حتى إذا ما آذنت شمس النهار بالمغيب، وإذا بنا مستهلكي الطاقة فاتري الهمة فاقدي الحماس، كما لو أننا أشخاص آخرون غير الذين كناهم في أول النهار. والعام الجديد، كاليوم الجديد، له بهجة خاصة، بزوغه يثير في النفس آمالا ومطامع حلوة بتغيرات جميلة نود أن تحدث ونحمل العام الجديد مهمة تحقيقها، مسلمين أن العام الجديد حفي بذلك. في مطلع كل عام، نمارس نوعا من خداع النفس أو (الضحك) عليها، فما لم ننله في العام المنصرم نمني النفس أن العام الجديد كفيل بإحضاره، نؤسس فرحتنا بمقدم العام الجديد على قواعد من التوقعات الزاهية المتطلعة إلى أن القادم أفضل وأجمل. لكن ما إن يقبل العام الجديد وتتوغل بنا أيامه حتى نكتشف أنه كسابقه يحمل الخير والشر، والفرح والحزن، والجمال والقبح، فلا اختلاف فيه عن غيره مما كان قبله. حين يحتفي بعض الناس بمقدم العام الجديد هم يعبرون عما يكتنز في أعماقهم من مشاعر عدم الرضا بما هم فيه والتطلع إلى ما هو مختلف، كما لو أنهم يرون العام الجديد من واجبه حل مشكلاتهم وإنهاء معاناتهم وشفاء جراحهم، فيحضر لهم معه ما عجز العام المنصرم عن إحضاره من صور الرغبات والأحلام. الناس في استقبالهم العام الجديد، إما أن يكونوا متفائلين يرجون أن يكون عامهم الجديد خيرا مما مضى، وإما أن يكونوا يائسين قانطين، فلا يرون فيه فرجة أمل، ولا يتوقعون منه لمحة خير، فلا فرق عندهم بين عام مضى وعام مقبل، الأعوام عندهم سواء. إلا أن المتفائلين، حتى وإن لم يصدق حدسهم وخابت توقعاتهم، هم بتفاؤلهم يكسبون، يكسبون راحة نفوسهم واسترخاء أعصابهم. أما أولئك الذين لا يفسحون مكانا للتفاؤل في عيونهم، فإنهم يخسرون، يخسرون طاقة ذهنية وعصبية تترك الوهن باديا على حركاتهم ونتاجهم. دعوا الناس تبتهج بمقدم العام الجديد خيرا من أن تكتئب، وشجعوهم على أن يتفاءلوا خيرا من أن يقنطوا. ما الضير إن تذكر الناس بعضهم بعضا بكلمات عذبة مضيئة بإشراقة ابتساماتهم ليلة العام الجديد؟ وما الضير إن هم أهدوا لمن يحبون باقات ورد أحمر أو غير أحمر؛ التماسا للمحبة بينهم وإشاعة البهحة في دروبهم؟.