ليس هناك، فيما أعلم، مقاييس طول أو عرض للوجه تحدد طيبة صاحبه من خبثه. ولم أسمع إلى الآن عن مختبر علمي قسم وجوه الناس، علميا، بين وجوه ملائكة ووجوه شياطين. ومع ذلك نختص نحن بهذا التقسيم لوجوه البشر، فبعض ربعنا، الذين يسبقون العلم والمعامل، إذا لم يعجبهم ما تقول أو تكتب يردون عليك ردا غريبا عجيبا وهو «أن وجهك خبيث». لست أدري ما هي مقاييس الوجه الخبيث والوجه الطيب لديهم إلا إذا كانت (اللحية) هي المؤشر على الخبث والطيب. وهذا، بطبيعة الحال، مؤشر مرفوض جملة وتفصيلا لأن كما في أهل اللحى طيبون وذوو أخلاق عالية فيهم، أيضا، خبيثون يطوون في سرائرهم الكثير من الشر ويرتكبون من الجرائم ما تنوء بحمله الجبال الراسيات. كل داعشي الآن تطول لحيته إلى الدرجة التي قد تسيل منها دماء الأبرياء الذين يحز رقابهم وهو يضحك ويتندر على المقتول مع رفقائه المنافسين له بطول اللحى. وكل إرهابي أقض مضجعنا وهدد أمننا وسلامة أولادنا لديه لحية تصل إلى سرته خدعنا بها؛ لأننا بسطاء نصدق الشكليات ونحفل بأصحابها وقد نقدسهم. ولو أننا سألنا المحاكم عن عدد القضايا الأخلاقية التي يرتكبها أصحاب لحى لربما أصبنا بصدمة من هول ما يقترفون وهول ما في نفوسهم من الشر والخبث. وبالتالي لا يمكن أن تكون اللحية أبدا دليلا على الطيب من الخبث، فما الذي يجعل شخصا يحكم على وجهك بأنه خبيث إذا استبعدنا هذا الشرط؟!. أعتقد أن المسألة تتعلق بالإفلاس الفكري الذي يدفع صاحبه إلى كلام فارغ ينفس به عن احتقانه من الرأي الذي يصدمه أو لا يعجبه، مثله مثل من يقول عن امرأة لا تغطي وجهها أنت فاجرة أو يقول عن شيخ لا يعجبه كلامه هذا من شيوخ السلطان؛ أو يقول عن أب سمح لابنته بالابتعاث أنه ديوث. كلها أوصاف عدوانية يحاول فيها الواصف ممارسة الإرهاب اللفظي لينال ممن لا يلتقون معه على نفس المنهج الذي يعتقد أنه المنهج الحتمي الذي لا يقبل النقاش. وهذه من (بلاوي) زماننا الذي أصيب بأدران من يحملون راية تصنيف الناس حسب أهوائهم إلى الدرجة التي وصلوا معها إلى فحص وجوههم، فضلا عن تفتيش قلوبهم والحكم عليهم بالطيب والخبث والإيمان والكفر والجنة والنار. وفي ذلك دليل قاطع على أننا نعيش زمانا متراجعا لن نتخلص منه إلا بالعودة إلى العقل الغائب أو المغيب.