بددت العقود الآجلة للنفط الخام مكاسبها المبكرة أمس الجمعة في ظل ضعف العوامل الأساسية الذي أثر سلبا على السوق في نهاية أسبوع متقلب شهد تذبذب الأسعار أكثر من عشرة في المائة خلال يوم واحد. وجرى تداول سعر خام القياس العالمي مزيج برنت عند 08.34 دولار للبرميل بحلول الساعة 08:05 بتوقيت غرينتش منخفضا 38 سنتا عن سعره عند التسوية السابقة. ونزل خام غرب تكساس الوسيط 25 سنتا إلى 47.31 دولار للبرميل. وبحسب «رويترز» قال متعاملون إن السيولة كانت منخفضة في التعاملات الآسيوية بسبب عطلة السنة القمرية الجديدة التي تستمر معظم الأسبوع المقبل. وشهدت أسعار النفط تقلبا حادا منذ بداية العام ولا سيما هذا الأسبوع بعد أن تصادمت سلسلة من المؤشرات المتفائلة مثل هبوط الدولار واحتمال إجراء محادثات لخفض الإنتاج مع تقارير تبعث على التشاؤم عن وصول مخزونات الخام الأميركية لمستوى قياسي وارتفاع الإنتاج وتباطؤ الاقتصاد العالمي. وقفزت مخزونات الخام الأميركية 8.7 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 29 يناير (كانون الثاني) إلى 7.502 مليون برميل وزادت مخزونات البنزين إلى مستوى قياسي إذ ارتفعت 9.5 مليون برميل إلى 4.254 مليون برميل. وتواجه كبرى شركات النفط العالمية أزمة تشتد فصلا بعد فصل مع تدهور أسعار النفط الخام ودون بوادر تحسن في المدى القريب، لذلك تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، بحسب الخبراء. وبحسب وكالة «الصحافة الفرنسية» يختصر الخبير الاقتصادي كريستوفر ديمبك من مصرف «ساكسو بنك» الوضع قائلا: «اشك بحصول تحسن في عام 2016». وسجلت الشركة الأميركية «شيفرون» في أواخر يناير الخسارة الفصلية الأولى لها منذ 13 عاما في الأشهر الثلاثة الأخيرة لعام 2015، إذ طغى تدهور أسعار النفط على الأرباح التي سجلتها في ذلك العام. والشركات الأخرى ليست أفضل حالا. فقد تراجعت أرباح العملاق الأميركي «إكسون موبيل» إلى النصف العام الماضي، وتدهور صافي أرباح مجموعة «شل» الهولندية البريطانية سبع مرات، بينما باتت مجموعتا «بريتش بتروليوم» البريطانية و«ستات أويل» النرويجية في الأحمر. ولن تكون «توتال» الفرنسية التي تعلن نتائجها السنوية في 11 فبراير (شباط) في منأى عن هذه الأزمة. فقد لمح رئيس مجلس إدارتها باتريك بويانيه إلى تراجع بنسبة 20 في المائة. وعلق ديمبك بالقول: «الشركة لا يمكن أن تكون منفصلة عن الشركات الأخرى». وتراجع سعر برميل النفط 47 في المائة في عام 2015 مقارنة بالعام السابق ليبلغ معدل سعره 52 دولارا، وبأكثر من 70 في المائة منذ يونيو (حزيران) 2014 نتيجة فائض في العرض بسبب الخلاف حول الحصص بين نفط دول أوبك وفي مقدمتها السعودية، وبين النفط الصخري من الولايات المتحدة. كما تراجع سعر برميل النفط إلى ما دون عتبة 30 دولارا للبرميل في يناير قبل أن يسجل تحسنا طفيفا. وتابع ديمبك: «السعودية ليست لديها دوافع لإعادة النظر في استراتيجيتها، لذلك نحن إزاء سياسة سعر منخفض للنفط. لا أعتقد أننا بلغنا السعر الأدنى ولو أنه سيستقر حول 30 دولارا للبرميل». وللصمود، تلجأ كبرى شركات النفط إلى الحد من النفقات من خلال تقليل الاستثمارات وزيادة تسريح الموظفين التي باتت تطال عشرات آلاف الأشخاص. ويقول معهد «إينرجي نوفيل» الفرنسي للأبحاث إن الاستثمارات في مجالات التنقيب عن النفط انهارت بـ21.1 في المائة لتبلغ 539 مليار دولار في عام 2015، ومن المتوقع أن تظل تشهد تراجعا بـ10 في المائة في العام الحالي. ويرى المراقبون أن إجراءات التقشف ضرورية خصوصا أن الأمل الضئيل الذي تولده عمليات تكرير النفط المستفيدة من تراجع أسعار البرميل لتعوض عن خسائر مجالات التنقيب والإنتاج، يمكن أن يتبدد بسبب مشكلة فائض في قدرة الإنتاج. وأوضح ديمبك: «هذا العامل ساعد في عام 2015 ويمكن أن يساعد في 2016، لكن تكرير النفط عامل آني أساسا ولن يكون كافيا للحد من الآثار على النتائج». ولا تزال أمام كبرى شركات النفط هوامش للمناورة تتيح لها الحد من التكاليف، بحسب المحلل الكسندر آندلاور من «ألفا فاليو» الذي اعتبر أن «هناك احتمالا بالتراجع لأن هذه الشركات لديها فائض كبير». وأعطى مثالا شركة «شل» حيث يبلغ معدل رواتب الموظفين الـ94 ألفا، 214 ألف دولار في عام 2014. ولم تقرر أي من هذه المجموعات، باستثناء «ايني» الإيطالية، بعد إجراء اقتطاعات في العائدات، ولو أن بعضها، مثل «توتال»، لا يستبعد توزيع أسهم بدل الأرباح للحد من المبالغ التي يتوجب عليه دفعها. واعتبر آندلاور أن ذلك «مثير للقلق على الصعيد الصناعي»، لأن تراجع الاستثمارات يؤثر على العائدات المستقبلية إذ يحد من إمكانات الإنتاج. أما بالنسبة إلى قطاع الخدمات النفطية، فيبدو المستقبل قاتما لشركات مثل «سي جي جي» و«تيكنيب» و«بوربون» و«فالوريك» الفرنسية. وتتعرض هذه الشركات لضغوط من أجل خفض أسعارها من شركات النفط التي تشتري خدمات وتجهيزات منها. وأضاف آندلاور: «الضغوط أقوى في هذا القطاع الذي لم تنته معاناته بعد». وبحسب «اينرجي نوفيل»، انهار نشاط القطاع الجيوفزيائي بـ28 في المائة العام الماضي وقطاع التنقيب بـ27 في المائة. ومن المتوقع أن يستمر هذا الميل هذا العام مع تراجع بـ10 في المائة و6 في المائة تباعا. على صعيد متصل قالت شركة «جينيل إنرجي» إحدى شركات النفط الأجنبية العاملة في إقليم كردستان العراق أمس إن الشركاء القائمين على تشغيل حقل طق طق تلقوا دفعة قدرها 3.16 مليون دولار من مستحقاتهم لدى حكومة الإقليم عن صادرات النفط. وتأتي هذه المدفوعات في إطار الاستراتيجية التي أعلنتها حكومة كردستان في وقت سابق هذا الأسبوع للبدء في سداد مستحقات شركات النفط وفقا لشروط التعاقد معها بدلا من ترتيبات الدفع المؤقتة التي تتبعها منذ سبتمبر (أيلول). وقالت جينيل إنها وشريكتها أداكس بتروليوم تلقتا أيضا 2.3 مليون دولار تغطي خمسة في المائة من إجمالي العائد الصافي الشهري لحقلهما وهي مدفوعات إضافية أعلنت حكومة كردستان الالتزام بها في استراتيجيتها الجديدة لسداد المستحقات. وذكرت جينيل أن مستحقاتها عن صادرات النفط من حقل طق طق والعائد الصافي وصلت إلى 8.10 مليون دولار في يناير كانون الثاني. وزاد الأكراد مبيعات النفط المستقلة منذ يونيو الماضي إلى أكثر من 600 ألف برميل يوميا، لكن في ظل تضخم فاتورة رواتب القطاع العام وهبوط الأسعار يواجه الإقليم عجزا يتراوح بين 380 و400 مليون دولار شهريا. ولا تزال حكومة إقليم كردستان مدينة لشركات النفط بمليارات الدولارات مستحقات لها عن صادرات النفط.