×
محافظة المنطقة الشرقية

«دبا الحصن للمسرح الثنائي» ينطلق الخميس

صورة الخبر

< استمعت إلى برنامج إذاعي عن الكذب، وأنواعه، وخطورته، مستضيفين فيه أستاذاً في علم النفس، وسيدة في علم الاجتماع، فضلاً على المداخلات من المستمعين والمستمعات. بداية كان هناك شبه اتفاق بين ضيوف البرنامج عن الفارق بين الكذب الصريح، والمجاملة، والاضطرار إلى الكذب، لكن المفارقة كانت من المتصلين على البرنامج، ولا سيما السعوديين منهم. هناك تبريرات أقرب إلى المنطق من المتصلين العرب في اضطرارهم للكذب أحياناً، منها: لكي لا يجرح مشاعر الزوجة مثلاً، أو حتى صديق، أو طفل، وهو ما نمارسه جميعاً، فمن الصعب جداً أن يمر يومنا من دون كذبة مهما صغرت. السعوديون الذين اتصلوا تحدثوا عن أنهم قد يكذبون، ولكن التبرير كان أسوأ من الكذب بحد ذاته، فأحدهم يقول: (إن زوجتي لا تحب أن أسافر، ومن ثم أضطر أن أخفي عنها الأمر، بأن أخبرها أنني ذاهب إلى مدينة أخرى في المملكة؛ لعمل «ما»، بينما أنا -كما يقول- أحب السفر مع أصدقائي إلى بيروت والقاهرة). طبعاً ناله نوع من التوبيخ من المذيعة والضيوف، فالمفهوم من حديثه أنه وبدلاً من أن يسافر معها؛ لكي تستمتع مثله بهذه المدن، فإنه يكذب، ويسافر مع أصدقائه، ولن نسترسل عما قد يصنعه هناك؟ الضيفة قالت له -وهي تلومه-: افترض أنه حدث لك أي عارض، ثم اكتشفت زوجتك أنك مسافر إلى الخارج وليس إلى الداخل، فما هو موقفك، لأن هذا سيجرحها فعلاً؟ ومع احترامي للضيفة، فأبعاد الموضوع أكبر من ذلك، فالموضوع برمته تدليس واضح، ولو كانت نياته سليمة فمن المفترض أن يسافر معها، وإن اعتذرت وليس لديه فرصة قريبة فالمنطق أن يبلغها بالحقيقة ويسافر إلى ما يشاء بمعرفتها، ورضاها، وقناعتها التامة. مشكلة الرجل الكبيرة أنه إلى الآن -وحتى المستنير- يعتقد ويتصور أن لطفه مع زوجته، ومعاملتها بندية، هو تنازل منه وتفضل، وهذا غير صحيح البتة، فما الذي يميزه عنها يا ترى؟ السعوديون ينقسمون إلى أنواع عدة في معاملتهم للمرأة، فالمتدين المتشدد المحافظ، يقطع عنها الماء والنور، فلا أمل لها بحقوق أو خلافه، فإن سمحت له التشريعات الدينية، أبت عليه قيمه المحافظة أن يمنحها نوعاً من المساواة، أو ليست هي بعار عند أحدهم؟ النوع الآخر وهو نادر جداً في السعوديين -لدى الأخوة العرب أكثر، وبالذات مصر والشام- هو المتدين المتشدد غير المحافظ، وهو ألطف وأكثر إنصافاً، لكن ما يعيبه أنه متشدد في الدين، فيبحث عن المختلف عليه دينياً ويطبق أشده تزمتاً تجاه المرأة. البقية -وهم الأغلبية- يتعاملون بشكل عادي مع المرأة، فلا ضرر ولا ضرار، إلا أن الكل -كما أسلفت- لديه ذلك الشعور في الأعماق، أنه يتفضل بذلك، ولعله ينكشف في أول مجابهة مع المرأة، في قضية عليها خلاف في شؤونهم الخاصة. الطريق لتجسير الهوة في النظرة إلى المرأة طويل من دون ريب، والمسؤولية الملقاة على عاتق كل من بيده ذلك جسيمة، إلا أن إصدار القوانين التي تعيد الصواب لأذهان مبتسري المرأة وحقوقها، والمتعالين عليها، ومن يضطهدها، سيختصر هذا التجسير. طبعاً القوانين وعلى رغم أنها خيار مهم، لكنها غير كافية، طالما يحدث ما يحدث خلف جدران المنازل من اعتساف، فمن المفترض أن يتواكب مع حملة تعليمية تبدأ بإدراج الصفوف الأولى للجنسين، على أن يكون الطاقم التدريسي من السيدات، فمن الضروري أن يفهم هذا الطفل أنه لا يختلف عن أخته بشيء، وأن لا ميزة له عنها، وألا تتسمم أفكاره البريئة بأن له الحق بضربها لتأديبها، حتى لو كان بـ«مسواك»! الإعلام هو من له القدرة على غزو البيوت من الداخل، وله دور مؤثر بالتوجيه المباشر، وغير المباشر، سواءً بالإعلانات، أم المسلسلات، أم المقابلات، أم الحوارات، ولا شك أن الأطفال بالذات يتعلمون من المدرسة ووسائل الإعلام أكثر مما يتعلمون من أهاليهم، فجل أوقاتهم ليست مع العائلة.   abofares1@