بصوت متهدج يمتلئ «خوفاً» وإن حاول السيطرة على نفسه قليلاً، أطلق مجيد «نداء الاستغاثة» لغرق «البارجة 4» المتنقلة التابعة لشركة «أرامكو السعودية»، ولم تتجاوز المحادثة بينه وبين قسم الطوارئ في الشركة، الـ90 ثانية، صرخ خلالها بأن «البارجة 4 تغرق الآن، الرجاء إحضار الإسعاف». فيما كان الرد من متسلّم البلاغ من قسم الطوارئ «أين موقعك يا مجيد». وبادر مقدم البلاغ إلى الرد عليه: «في 348» وقام بتكرار «البارجة تغرق، البارجة تغرق». فيما طلب مستلم البلاغ «عمل اتصال مباشر». وعاد المبلغ إلى تكرار: «في أقرب وقت تجينا، أقرب وقت». وأعطاه الاسم والرقم الوظيفي، وكان ختام المحادثة بطلب مستقبل البلاغ من قسم الإسعاف: «عندك تليفون؟». وردّ العيسى: «عندي جوال، واحنا كلنا بنغرق خلاص». بيد أن مجيد محمد العيسى، الذي نجا من حادثة الغرق، التي وقعت مساء الخميس الماضي، روى في اتصال هاتفي، تفاصيل ما جرى مساء الخميس الماضي، وكان صوته هادئاً خالياً من «الإرباك، والهلع» الذي ظهر عليه أثناء تقديم البلاغ عن حادثة غرق المنصة المتنقلة التي لم تتماسك «لدقائق» لتنقلب وتغوص في الماء، وراح ضحيتها 3 أشخاص من جنسيتين أجنبيتين، فيما نجا 24 آخرين، كانوا على متنها من دون إصابات بليغة، كان من بينهم العيسى، و9 سعوديين آخرين. وذكر، أنه لا يتذكر الكثير من تفاصيل الحادثة، «لسرعة وقوعها، ولكن ما بقي عالق في ذهني منها أن بعض الزملاء بدؤوا بقول «الله أكبر» بصوتٍ عالٍ، والبعض الآخر كان يهلّل. فيما لم يتجاوز ذلك ثواني، بل لم يصل حتى إلى دقيقة، كان شيئاً يشبه «لمح بصر»، قبل غرق منصة «العربية 4» في مياه الخليج العربي». وقال مجيد: «أنا من قمت بالإبلاغ عن حادثة الغرق، وذلك بالاتصال بقسم الطوارئ في «أرامكو السعودية» من طريق اللا سلكي، حينما شعرت أن البارجة بدأت تنزل إلى الأسفل، وبدأ الماء يصل إلى الأجزاء العلوية منها»، مضيفاً «لم يكن في وسعي عمل شيء آخر». وكشف أنّ «فرقة الإنقاذ وصلت إلى الموقع بعد نصف ساعة من البلاغ، وبعد أن صعد كل العاملين على المنصة إلى الأعلى، ولكننا لم نكن نعلم أين نذهب». وأضاف، «كان بقية الزملاء في الأسفل حينما بدأ الغرق، في منطقة يُطلق عليها «المحطة»، مشيراً إلى أنها «أول منطقة غرقت وأصبحت تحت مياه البحر». وأردف «بدأ الجميع في الصعود إلى أعلى والوصول إلى الأجزاء التي لم تغرق بعد، والتي لا تزال باقية فوق سطح البحر، لكننا كنا خائفين من غرقها أيضاً»، مضيفاً «كنّا ثلاثة أشخاص في الأعلى فقط، والجميع لحقوا بنا فيما بعد». وأوضح أنه كان على متن البارجة، إذ منعته «شدّة البرد وصوت اصطكاك الحديد الذي يشبه الصاعقة من الخروج، أو حتى أن أرمي بنفسي في البحر، فقمت بالتمسّك بما حولي»، مشبهاً تلك اللحظة بـ «لجوء العصافير إلى الشجرة، فلم يكن في أيدينا حلّ آخر، وكان أمر الحياة والموت بيد الله سبحانه وتعالى». ووصف، الدقائق التي مرّت عليهم أثناء الغرق بـ «يوم القيامة»، إلا أن الحادثة أسفرت عن وفاة 3 عمال أجانب، ونجاة البقية، على رغم تعرض الجميع إلى الغرق، وكان عددهم 27 شخصاً، وجميعهم فقدوا ممتلكاتهم الشخصية، بما فيها إثباتاتهم «الهويّة الشخصية، وبطاقات العمل، وأجهزة الهاتف ومفاتيح منازلهم»، باستثنائه هو، إذ وصف جهاز هاتفه الخاص بـ «الوفيّ»، لافتاً إلى أنه بقي في جيبه «على رغم أنه قديم، ولم أغيّره منذ سنوات». وحول المفقودات في حادثة الغرق، أكّد العيسى، أن «شركة أرامكو تبنّت متابعة الإجراءات كاملة» من استخراج إثباتات الهوية الشخصية وبقية البطاقات، وهم في انتظار الاتصال لاستلامها. ولم يعد العيسى، المتزوج من سيدتين، ويسكن في محافظة الأحساء، إلى مقر العمل حتى الآن، معتبراً هذه الأيام «إجازة» يستعيد فيها صحته. إلا أنه ذكر أنه على استعداد للعودة إلى العمل «في أي وقت تقرره الشركة»، لافتاً إلى أنه قام بالتحدث مع جميع زملائه الناجين، وتواصل معهم واطمئن عليهم. يذكر أن شركة «أرامكو السعودية» أعلنت الجمعة الماضية، عن تعرض المنصة البحرية «عربية 4» إلى الغرق في منطقة السفانية التي تبعد عن رأس الخفجي نحو 19 ميلاً بحرياً، وعلى متنها 27 موظفاً. ووقعت الحادثة بعد فقدانها التوازن في أحد أعمدتها التي تعتمد عليها للوقوف، ما تسبب في غرقها، ووفاة ثلاثة عمال كانوا على متنها، ونجاة الباقين.