×
محافظة المنطقة الشرقية

اجتماعي / اختتام برنامج المبادرات التطوعية للجنة التنمية لأحياء الخبر

صورة الخبر

يعد الشيخ محمد بن ماجد بن صالح كردي، أحد وجهاء مكة المكرمة، وأحد النخب الوطنية في الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري، عرف بسعة اطلاعه وشغفه بنشر العلم، وحرصه على تأمين الكتب والمجلدات وتهيئتها لطلاب المعرفة في كافة المراحل، كما عرف بكونه أحد الرواد الأوائل الذين ساهموا في نشر المطابع والمكتبات، لا سيما في مكة المكرمة ومدينة جدة. حوّل منزله إلى منتدى علمي وأدبي لضيوف الرحمن.. وتوفي محرماً يوم عرفة وهو - رحمه الله - من مواليد مكة المكرمة عام 1294ه، حيث تلقى تعليمه على أيدي عدد من علمائها، وحفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، وكان شغوفاً بعالم الكتب والمعرفة حريصاً على نشر العلوم والمعارف، حتى إنه عمل على جمع عدد من الكتب والمخطوطات، ليعرف بين أقرانه بريادته وعلو كعبه في مجال التعليم بالحجاز، ولذا لقبوه بالشخصية المعرفية، نظير ما يتمتع به من ثقافة واسعة، لا سيما أنّه يمتلك واحدة من أكبر المكتبات الثقافية بمكة المكرمة، وتزخر مطبعته - التي سماها "الماجدية" - بأندر المخطوطات والكتب، إضافة إلى توليه عدداً من المناصب التعليمية وإسهامه بدفع عجلة التعليم في المملكة، من خلال إرسال أول بعثة علمية من أبناء المملكة للدراسة في معاهد مصر ومدارسها. المطبعة الماجدية كان الشيخ محمد بن ماجد كردي أحد أعلام الحجاز، ومن رواد التعليم بالمملكة، لقب بالشخصية المعرفية لما عرف من سعة الاطلاع وعمق الثقافة، وارتباطه بالكتب والمخطوطات العلمية والأدبية النادرة، وكان قد تفرغ للعلم منذ نعومة أظفاره، بعد تلقيه العلوم على أيدي كبار العلماء في مكة المكرمة، ولشغفه بالدراسة والنهل من المعارف المختلفة، وحرصه على تنوع الثقافات والعلوم الدينية والأدبية، فقد اتخذ قراراً جريئاً من خلال تأسيسه مطبعة لطباعة الكتب والدوريات العلمية والأدبية، قيل إنها الأولى من نوعها بمكة المكرمة وذلك عام 1327ه، وأطلق عليها اسم "المطبعة الماجدية"، وفعلاً خدمت هذه المطبعة طلاب العلم ورواد المدارس والمعاهد العلمية، وكانت الحل الأنجع لتوفير الكتب والكراريس لطلاب التعلم في تلك الفترة، لا سيما أن أعداد الطلاب آنذاك كان في تزايد مضطرد، كما أن الإنتاج العلمي أصبح أكثر غزارة. وبدت الحاجة ماسة لتوثيق وطباعة مدونات العلماء والمشايخ، ولا شك حينها أن طلاب العلم كانوا أكثر المستفيدين من هذه المطبعة التي أنشأها الشيخ محمد كردي، وذلك لتزايد أعدادهم عاماً بعد عام، وحاجتهم إلى الكتب المدرسية في وقتها، بدلاً من انتظار قدومها من الخارج، إضافة إلى كثرة الزائرين والعلماء والأدباء من خارج المملكة الذين يفدون إلى مكة المكرمة حيث البيت العتيق، كما أن هذه المطبعة ومن بعدها المكتبة ساعدتا على تلبية حاجة طالب العلم ووفرت له المصادر المتعددة والمتنوعة. تبادل المعراف وإضافة إلى كون الشيخ ماجد كردي من محبي الأدب والمعرفة، ومن الأوائل الذين فكروا في تأسيس المطابع في الحجاز وفي مكة، فإنه أيضاً كان على تواصل مع طلاب العلم والعلماء الذين يفدون لأرض الحرمين يبادلهم المعارف فيتلقى من علمائهم ويعلم طلابهم، إلى سنة 1327ه حيث أسس مطبعته "الماجدية" التي يذكر أنها أول مطبعة في مكة المكرمة، وبتأسيسها احترف الطباعة وتجارة الكتب، واجتمعت له مكتبة خاصة من أفخم المكتبات في الحجاز، وذلك للحاجة الماسة بسبب تزايد الطلاب عاما بعد آخر، خصوصا بعد انتشار المدارس، وكانت الطريقة التقليدية تعتمد على نسخ الناسخ أو نسخ طلبة العلم أنفسهم، ويذكر أنه قام بشراء مطبعة "شمس الحقيقة" الموجودة بمكة المكرمة، وزودها بأدوات كثيرة، وأنفق عليها أموالاً طائلة، ولأن المطبعة كانت قديمة وتحتاج إلى فهرسة وإعادة تقويم من جديد ورغبة منه - رحمه الله - في جعلها مرجعاً ومقصداً لطلاب العلم ورواد المدارس والمعاهد، فقد قرر نقل هذه المطبعة، ليعيد تأسيسها من جديد وفعلاً تم له ذلك لكنه واجه مصاعب ومشاق في عملية النقل حيث لا توفر آنذاك وسائل النقل الحديثة. كما أن الكتب كانت كبيرة الحجم ثقيلة الوزن، فضلاً عن حرصه على حفظ المخطوطات لا سيما النادرة، وهي التي تتطلب عناية فائقة من حيث تخزينها أو نقلها حيث تتأثر بالرطوبة والغبار وعوامل الطقس والمناخ بسبب قدمها وضآلة حجم أوراقها. ولأن وسائل النقل آنذاك كانت تقتصر الرواحل من الأنعام كالجمال والخيول والبغال فقد عمد على اختيار البغال لقوتها ومقدرتها حمل الأثقال، إلاّ أنّ حجم المطبعة كان أقوى وأثقل من طاقة البغال كما يقول المؤرخ "محمد علي مغربي" الذي وصف هذه الرحلة بقوله: "في طريق صحراوي رملي غير معبد فكانت البغال تنوء بحملها الثقيل، وبعضها يضعف عن مواصلة الحمل وبعضها ينفق تحت وطأة هذه الحمولة الثقيلة فيستبدل به غيرها من البغال، وهكذا تم النقل على مراحل وفي عناء شديد ولولا رغبته الشديدة في أنشاء المطبعة في مكة المكرمة لكانت الصعوبات كافيه في إثنائه عما يريد، وهكذا كان الشيخ محمد كردي بهمته العظيمة وبحبه الكبير لنشر العلم مثالاً فريداً في قوة الإرادة وفي البذل لبلوغ الهدف الذي يريد". طباعة تجارية وضرب الشيخ محمد بن ماجد كردي مثالا وأنموذج تربويا في حسن تربيته لأبنائه من خلال إلحاقهم بالعمل ميدانيا بالمطبعة، حيث وجههم بأن يتعلموا صف الحروف وإدارة آلات وأجهزة المطبعة الضخمة وعلى الرغم من ثرائه ومكانته الاجتماعية إلا أنه حرص أن يعمل أبناؤه بأيديهم ما يحقق لهم القرب والالتصاق أكثر بعالم العلم والمعرفة، وفعلاً تخرج الأبناء من مدرسة أبيهم الرائدة فتعملوا صف الحروف ضمن طاقم عمالة استقدمهم الشيخ لهذا الغرض، وبدؤوا مع والدهم يشرفون على أعمال مطبعتهم ويتعلمون كل ما من شأنه أن يعجل ويسرع ويطور عمل المطبعة، حتى استطاعت مطبعة الماجدية بفضل من الله أن توفر الكتب لمدارس الحجاز بدلاً من انتظار قدومها من الخارج، الذي ربما تتعطل أو تتأخر الدراسة بسببه وبالتالي تتعطل الدراسة وكان تأخر قدومها للمملكة لظروف طبيعية أو اقتصادية أو غيرها، الا أن "الماجدية" لم تقتصر على طباعة الكتب المدرسية. وحرص الشيخ كردي أيضاً على طباعة المطبوعات التجارية والكتب المتنوعة لتوفيرها لطلاب العلم والمطلعين وتزويد مكتبته التي أنشأها فيما بعد، ويذكر أن من أهم ما طبعته كتاب مطبعة الماجدية كتاب (تاريخ مكة - للأرزاقي) في مجلدين الذي قام بتحقيقه الأستاذ رشدي محلس - رحمه الله. تأمين الكتب ضرب الشيخ ماجد كردي أروع الأمثلة في مواجهة الصعاب والتحدي، وذلك عندما قرر نقل كتبه إلى مكة المكرمة على ظهور البغال التي عجزت عن حملها، نظرا لثقل محتوياتها وكثرة عددها، غير أنه أصر على نقلها رغبة في عموم نفعها، وحينها لم يقتصر دور الشيخ كردي على نشر العلوم والفنون الأدبية المتنوعة والمعارف، كما لم يقصر نشاطه على افتتاح المطبعة فقط، بل سارع في أوائل شبابه لإكمال ريادته في هذا المجال العلمي وذلك بتأسيسه "المكتبة الماجدية" التي تعد أكبر المكتبات الخاصة آنذاك، لما تزخر به من كتب ومجلدات من مختلف العلوم، وقد حرص على أن يضم إليها نوادر المطبوعات ونفائس المخطوطات إسهاماً منه لحفظ علوم التراث ونشر المعرفة وتنوع مصادر العلم وتوافرها بين الناس. وكانت "الماجدية" تحوي كتب الفقه واللغة ودواوين الشعر وكتب التراث، ومجموعات قيّمة في التفاسير والأحاديث النبوية، وقد أنفق الشيخ عليها الأموال الطائلة، كما أعطاها من جهده ووقته شيئاً كثيراً، لذا كان منزله مكتظاً بالزوار على مدار العام وخصوصاً في موسم الحج، حيث كان الناس يفدون إلى داره العامرة في "القرارة" وداره بمنى حيث يقام فيهما منتدى علمي وأدبي في موسم الحج، فتعقد الندوات ويستمع الناس إلى قراءة القرآن الكريم من كبار القراء، كما تتضمن تلك الندوات تفسيرا للآيات القرآنية الكريمة وطرح الأبحاث الدينية، كما يتنافس الشعراء والأدباء في مجالهم الأدبي، حيث الأشعار والخطب والفنون الأدبية الرفيعة. وكان الشيخ كردي يقتني الكتب المطبوعة والمخطوطة، ويضمها إلى مكتبته وكان على اتصال بأصحاب المكتبات وعشاق الكتب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حيث يستورد كل جديد ونادر من الكتب المخطوطة والمطبوعة ويضمها إلى مكتبته الفريدة القيمة، التي أطلق عليها أيضاً اسم المكتبة "الماجدية" وربما كان ذلك تقديراً وإجلالاً منه لوالده - رحمهما الله - ولأن الشيخ من أثرياء مكة المكرمة فقد سخر هذا المال لخدمة الدين وطلب العلم. كما حرص على نشر الثقافة والمعرفة بين الشباب والدارسين والمهتمين، وذلك من خلال شراء واقتناء الكتب المتنوعة التي تزخر بها المكتبة، وكان يهدف من ذلك أيضا إلى مساعدة المهتمين بنوادر العلوم والأدب ومساندتهم وتوفير المصادر لهم، حتى أنه جمع عددا كبيرا من الكتب القيمة والنافعة، بل قام بشراء الكتب المخطوطة والمطبوعة وضمها إلى المكتبة الماجدية بغية الاستفادة منها، كما ضمت المكتبة إصدارات مطبعته الماجدية، إضافة إلى ما تصدره المطابع المحلية وما يرد إليها من الخارج من مصر، وتركيا، والجمهوريات الإسلامية (آسيا الوسطى)، وبلاد الهند. وكان موقع المكتبة في الصف الأيسر من الساحة الكبيرة لباب السلام على يسار الخارج من الحرم الشريف. ويذكر أن الشيخ أحمد حلواني - رحمه الله - كان قد خلف الشيخ كردي فيها، ولم يقتصر الشيخ محمد كردي على ما تقدم بل ألف كتباً ورسائل مخطوطة لم يتم طباعة أكثرها، منها معجم كنز العمال، ومعجم التخاميس في الشعر، والمنتخبات الماجدية، والفهرس العام لمحتويات مكتبته الشامل لعدد من المؤلفات، ويذكر أن عضو مجلس الشيوخ المصري آنذاك الأستاذ محمد طلعت حرب باشا الملقب ب "أبو الاقتصاد المصري" اطلع على هذه المكتبة وأبدى لأصحابها أنجال الشيخ محمد كردي عن رغبة ملحة منه في ابتياعها منهم لينقلها إلى مصر، ودفع لهم مبالغ طائلة لكنهم أحجموا عن أجابته إلى طلبته، واعتذروا منه رغبة منهم في نشر العلم واستبقاء هذا التراث القيم الذي ورثوه عن والدهم. دار عامرة وفي أوائل العهد السعودي عين مديراً للمعارف تقديراً لمكانته العلمية، ثم أسندت إليه مديرية الأوقاف العامة بمكة المكرمة، ويذكر أن في عهده تم إرسال أول بعثة علميه من أبناء المملكة للدراسة في معاهد مصر ومدارسها وكان هذا في الأربعينات من القرن الرابع عشر الهجري، ومع تعدد مهامه ومشاغله إلا أنه وصف من قبل معاصريه أنه سخر منزله أيضاً لخدمة رواد العلم، فقد قال المغربي إن منزله كان بيت كرم وجود وعلم ومعرفة، فقد احتوى وأجاد وأنفق وأفاد، وساهم بفعالية في نشر العلم والمعرفة، وكان يستضيف أعلام الأدب ورجال الفكر الذين يفدون إلى مكة المكرمة، فيجدون في داره حسن الضيافة وطيب المقام، ويتنافس الشعراء والأدباء فيما بينهم لتقديم ما لديهم من إبداع وفكر وأدب وبكل ما هو طريف ومفيد. وكانت هذه الأماسي امتداداً للحوارات العلمية التي تدور في مكتبته وعليه فقد كانت الندوات والمحاضرات والجلسات العلمية تتضمن تفسيرا للآيات القرآنية الكريمة وطرح الأبحاث الدينية والعلمية التي يستفيد منها الحضور، أما الدور الأكبر فقد كان من نصيب داره بمنى إذ كانت تؤدي غاية داره بالقرارة نفسها ولكن على نطاق أوسع، فقد كان يعقد فيها في ليالي التشريق هذه الندوات ومن أشهرها الندوة الخطابية التي يقيمها شباب مكة المكرمة وأدباؤها كل عام للوافدين من حجاج بيت الله الحرام، وكان يحضرها نخبة من علماء ومفكري العالم الإسلامي. وفاته توفي الشيخ محمد بن ماجد الكردي في صعيد عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة عام 1349ه، وهو في لباس الإحرام مع حجاج بيت الله الحرام، ودفن حاجاً ملبياً في عرفات، وكانت لوفاته - رحمه الله - آثراً كبيراً على طلابه ورواد مكتبته ومجالسه العلمية، حتى رثاه بعضهم وتقبل طلاب العلم العزاء فيه كما تقبله أبناؤه، الذين لطالما عملوا مع والدهم في خدمة العلم والعلماء، وكان عمر الشيخ حين وفاته خمس وخمسين سنة رحمه الله رحمة واسعة.