ذكر لي أحد الأصدقاء الذين ألمّت به، (زمن الصحوة)، حالة من الالتزام وقد أدت به الأقدار ومجموعة من الزملاء إلى العيش خارج البلاد، إنهم كانوا يمارسون إقامة (الحد الشرعي) على أنفسهم؛ كلما ارتكبوا ذنباً، فيطهر بعضهم بعضاً. تذكرت ذلك وأنا أقرأ في وسائل الإعلام اللقاء الذي جرى مع الفتى الباكستاني، ذي الخمسة عشر ربيعاً، الذي بتر يده اليمنى عن ذنب اعتقد أنه ارتكبه في حق الدين. القصة باختصار، حدثت في إحدى المدارس الدينية في باكستان، وبالتحديد في ريف العاصمة إسلام أباد، التي تنتشر فيها المدارس الدينية، التي لا تملك الحكومة المركزية السيطرة عليها. كان الملا يقدم درسه المعتاد حين بادر تلامذته بسؤال: من منكم يحب رسول الله؟ فقام جميع الفصل برفع أيديهم. ثم أعقب الملا سؤاله الذي لا يختلف عليه اثنان من تلامذته بسؤال آخر ولكن بصيغة النفي هذه المرة: من منكم لا يؤمن بالوحي الذي جاء به الرسول؟ لم يكن الفتى قد سمع السؤال جيداً، وظن أنه لا يحتمل التردد كالذي قبله، فرفع يده لكنها كانت الكف الوحيدة التي ارتفعت من بين عشرات الأيدي. بعد أن أدرك خطأه، وتحت نظرات أستاذه وأقرانه الدارسين، خرج الفتى من الفصل مجللا بالخزي؛ جراء ما فسره على أنه فعل تجديف أحدثه على رؤوس الأشهاد. كان يفكر في أن يده الآثمة قد خانت روحه المؤمنة ولا بد أنها سكنت من قبل الشيطان. كان يفكر كيف يستعيد مكانته التي فقدها للتوابين المؤمنين، ويردد في سره، دون فهم، الآية التي تقول «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون» تحت ذلك الشعور الهائل بالذنب، ذهب الفتى إلى مزرعة أبيه، وضع يده تحت منجل الحصاد وبترها من مفصل الكف. وكما أخبر وسائل الإعلام حينها، قال: لقد ارتكبت تجديفاً وأردت التكفير عن ذلك، اليد التي ارتكبت الخطيئة يجب أن تقطع عاد الفتى مثل صاحبي متطهراً إلى نفسه ومجتمعه. رحّب أساتذته بما عمل وتم الاحتفال به (كمحب للرسول) ليس في قريته فقط بل في القرى المجاورة! هذه الممارسات التطهرية التي يمارس فيها المتشددون دور القاضي أمام أنفسهم والجلاد تجاه أجسادهم، هي، رغم اختلاف درجة العنف الذي تبديه، صورة مصغرة للعمليات الانتحارية التي يقوم بها المتشددون. وبغض النظر عن انحرافها عن الطريق القويم، فخلفها تكمن رغبة جامحة للتطهر. إن طغيان سمة العداء والقسوة التي يتجه بها الانتحاري تجاه الآخر تخفي وراءها اتجاها آخر إلى الذات؛ إلى جسده المادي الخاطئ الذي عن طريق إلحاق الأذى به، ومع أول قطرة دم تسقط منه، يملك استحقاق الخلاص. فما الجسد لدى المتطهرين إلا مجرد جسر عبور للخلاص.