×
محافظة المدينة المنورة

الأمير فيصل بن سلمان يؤكد أن القيادة السعودية حريصة على أن يعم الخير المحافظات والمراكز كافة

صورة الخبر

حلمت، ليلة أمس، بأنني ركبت قطار الشرق السريع من ساحة معهد العالم العربي في باريس وسافرت لثلاث ليال ونزلت في بغداد. إن الأحلام لا تخطر عبثا ولا من فراغ. فقد عرفت أن المعهد يخطط لإقامة معرض شامل، في الربيع المقبل، عن ذلك القطار التاريخي الذي كان عنوانا للترحال المترف بين العواصم والمدن التي تخشخش أسماؤها في الأسماع خشخشة الذهب. هل قلت إنه تاريخي؟ بل هو قد خرج من التاريخ ودخل سحر الأسطورة. عربات للجلوس أو النوم ذات لون أزرق ملوكي. شراشف ومناشف مطرزة بأنامل صبايا فيينا. مقطورة للطعام بموائد مصنوعة من خشب الماهاغوني الذي جيء به من غابات كوبا. مزهريات وأقداح أبدعها الفرنسي رينيه لاليك من الزجاج المنفوخ. كمنجاتية يسلون بعزفهم الركاب. مقصورات فخمة ودهاليز يتحرك فيها مسافرون مرفهون، زعماء وأميرات وممثلات وتجار تبغ وجواسيس وغانيات. وتبقى أغاثا كريستي أشهرهم منذ أن أوحى لها القطار بروايتها البوليسية «جريمة في قطار الشرق السريع». صعدت الكاتبة البريطانية إلى القطار، في ثلاثينات القرن الماضي، لتذهب إلى بغداد. وكان زوجها عالم الآثار ماكس مالوان ينقب في رمال العراق باحثا عن بقايا من أيام سومر، حتى إذا حالفه الحظ وعثر على أختام ومنحوتات وقوارير حجرية، ساعدته هي في تسجيلها وتوصيفها وترقيمها وكانت تدهن اللقى بمرهم من النوع الذي تستخدمه الإنجليزيات لتطرية اليدين والركبتين، ثم تلفها بالحرير لحين تسليمها إلى الإدارة، وقد يبقى الأثر في موطنه أو قد «ينفى» إلى المتحف البريطاني. في قطار الشرق السريع، أيضا، تدور فصول من رواية «إحدى عشرة عذراء» للكاتب والشاعر الفرنسي أبولنير. ولأنها كانت رواية جريئة تدور حول أمير روماني يسافر من بوخارست إلى باريس بحثا عن اللذة، فإن كاتبها لم يوقعها عند صدورها، عام 1907، إلا بالحرفين الأولين من اسمه. ومن وحي القطار ذاته كتب البريطاني غراهام غرين روايتين: «قطار إسطنبول» و«رحلات مع عمتي». أما مواطنه إيان فليمنغ، أبو جيمس بوند، فقد أفرد للقطار مساحة في روايته «من روسيا مع الحب». ومن لم يقرأ تلك الروايات شاهدها أفلاما على الشاشة. والقطار الذي كان، في بداياته، مشروعا بين قيصر ألماني وسلطان عثماني، لم يسلم فيما بعد من العمليات الإرهابية؛ ففي صيف 1931، قبل مرور القطار بقليل، نسف رجل يدعى سيلفستر ماتوشكا السكة المارة على جسر فوق حقول مدينة بياتورباغي، في هنغاريا. وقد فوجئ السائق بالفجوة ولم يتمكن من التوقف تماما. وخرجت العربات الست الأولى عن مسارها وهوت في الفراغ ومات 22 راكبا وجرح آخرون. ولكي تكتمل الأسطورة، فإن المغنية الأميركية السوداء جوزفين بيكر كانت مسافرة على متن تلك الرحلة وقد غنت للتخفيف عن الجرحى. في تلك السنوات، كانت الرحلات تأخذك من مصر إلى القدس وعكا وحيفا ويافا، والسكك تمتد إلى الحجاز. وقطار طوروس ينقل المسافرين من محطة حيدر باشا في إسطنبول، نزولا إلى حلب والموصل وبغداد، حتى البصرة. ومن هناك، يركب بعضهم البحر إلى الهند. ولا تسأل عن الحدود وتأشيرات السفر وعذاب الوقوف عند أبواب القنصليات، لأن العالم، يومها، كان أرحب. ومنه اشتقت «مرحبا». وعودة إلى السكة، فإن جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي، يأمل أن يجتذب معرض قطار الشرق السريع 200 ألف زائر، لا يكتفون بالفرجة على الوثائق والصور والمخطوطات والأفلام والخرائط بل يصعدون إلى عربة حقيقية من عربات القطار، متوقفة عند المدخل ومؤثثة بالفخامة التي كانت عليها قبل مائة سنة. هل أخطف العربة وأضع قلمي في صدغ السائق وأقول: «اتجه إلى بغداد»؟