إن ظهور الإبداع وتكوين المبدع ينطلق بالتخلص أولاً من معوقات الإبداع الشخصية التي تحول دون تقدمه وهي: أ-الشعور بالنقص وضعف الثقة بالنفس وقلة المعرفة. ب-الخوف من الانتقاد والفشل. ج- انعدام الطموح والرضا بالدون. د-الانغماس في الشهوات والمفاسد. ه- الانشغال الكبير وعدم التفرغ للتفكير. و- رفض الأفكار الجديدة وعدم الشعور بالمسؤولية. وبالمقابل هناك بعض التوجيهات القائمة على البحث العلمي التي من شأنها تدريب قدراتنا الإبداعية وزيادة نموها وهي: 1- الإبداع لا ينمو في ظروف مثبطة، ولهذا فعند أي بادرة لظهور فكرة تعتقد أنّها جيدة حاول أن تؤجل نقدك لها وحكمك عليها، دعها تختمر وتنمو في الذهن، ودع الفكرة تنمو بتلقائية ودون تصنع. 2- في المراحل الأولى من ظهور الفكرة الإبداعية تجنب مناقشتها مع الأشخاص الذين يكثرون من النقد أو التقييم إلا بعد أن تتبلور الفكرة وتقوى. ولا تنسَ أنّ الفكرة الإبداعية الأولى وليدة ضعيفة تحتاج للرعاية والتنمية. 3- كن استغلالياً وصياداً للفرص الملائمة للإبداع، فكثير من الابتكارات الجيدة تبدأ بالصدفة عندما يكون الشخص مشغولاً بشيء آخر، والمفكر الجيد والأديب والفنّان والعالم وأي شخص يبحث عن حلول جديدة لمشكلات تقلقه، هو مَن يستغل الصدف المواتية، والصدفة عارضة تحدث أثناء الانشغال بالبحث والتفكير في موضوع معيّن. 4- استخدام تدريبات مباشرة لزيادة إمكاناتك على الإبداع والتجديد والأصالة، وأن تكتب كل التداعيات أو الكلمات التي تطرأ على ذهنك بالنسبة لكلّ كلمة. وشجِّع نفسك على ذكر أكبر قدر ممكن من التداعيات، فقد تبيّن أنّ تشجيع التفكير على إصدار استجابات متنوعة ومتعددة على منبه لفظي واحد من شأنه أن يساعد الشخص على تنمية قدراته على الأصالة أي على الوصول بمستوى تفكيره إلى مستوى جيد ومتفرد عن الآخرين. ومن التدريبات المباشرة أيضاً أن تعتمد الربط والتأليف بين أشياء متعارضة، وتبدو متنافرة، فستُدهش بعد ذلك عندما تجد أنّ مهارتك قد زادت على وضع حلول جديدة للأشياء أو المشكلات التي يراها الآخرون متعارضة ويصعب حلها. 5- عندما يتعذر عليك الوصول لحل ما لمشكلة تواجهك استخدم ما يسمى بظاهرة التحول الفكري المعتمد. ومجمل الظاهرة أن تتوقف عن التفكير في المشكلة وأن تنشغل بأي عمل أو نشاط مختلف أو أن تستلقي للاسترخاء والراحة. ففي الأغلب أنّ الحل سيقفز إلى الذهن. ومعنى هذا أنّ مجاهدة النفس في الوصول لحل مشكلة متعذرة قد يكف أحياناً ولا يساعد على التوصل للحل الصحيح. ومن خلال التحول الفكري يتبدد هذا الكف وتتيسر العملية الإبداعية. 6- التنفيذ العلمي للفكرة، وهنا يأتي دور الإدارة في التنفيذ العملي والكتابة بكلّ ما يتطلبه ذلك من مجاهدة النفس على النظام واليقظة، ومن المؤكد أنّ كثيراً من الناس يحملون إمكانات إبداعية لا شكّ فيها ولكن من المؤسف أن يحلو لهم الاعتقاد أنّ الأهم هو وجود الشرارة الأولى للإبداع والإلهام. أما النظام وتعلم أساليب التنفيذ العملي فقد تبدو لهم غير ملائمة لكن الحقيقة أن عدم التنفيذ العملي للفكرة قد يؤدي إلى ركود وخمول في النشاط العقلي. 7- الإبداع الجيد لا يستقل عن الإمكانات العقلية الأخرى، فقد تكون الفكرة جيدة وجديدة ولكنك لا تستطيع أن تعرضها وأن تكتبها أو أن تجمع لها الوثائق والشواهد الدالة على صحّتها، وعند هذا الحد لن يكون لها التأثير الذي ترجوه، ولهذا فأنت تحتاج لأشياء أخرى بجانب الأصالة والابتكار كالقراءات المتعددة في الموضوع والتمرس على التفكير التحليلي والتحصيل، إذ من غير الممكن للإنسان أن يبدع دون أن تكون هناك مادة خام تُعد أساساً لذلك. 8- ضرورة تكوين اتجاه إبداعي نحو الحياة والقصد بالاتجاه الإبداعي هنا مجموعة الآراء والمعتقدات التي يتبنّاها الشخص عن الحياة بشكل عام، دون أن ينتهي الشخص بالضرورة إلى القيام بإنتاج إبداعي أو ابتكاري محدد. ويتطلب الاتجاه الإبداعي تقبّل الذات، والتسامح مع الاختلافات عن الآخرين، والتفتح على الخبرة، والنزهة الجمالية والفنية، والتوازن بين الحاجة لتحقيق الذات والحاجة للاتصال بالآخرين. 9- لا تعتقد أن خروجاً عن التفكير المألوف والشائع علاقة قائمة على الشذوذ والمرض، فكثير من الناس ينظرون إلى أي اختلاف عن المألوف بأنّه علاقة تدل على التعقيد والاضطراب وعدم التكامل، ولما كان التفكير الإبداعي في أساسه خروجاً عن المألوف فإنّ كثيراً من المبدعين يحتاجون لمن يدعم لديهم الإحساس بأنّ أفكارهم ونشاطاتهم الذهنية تختلف عن المرض العقلي أو النفسي. من هنا يأتي دور وجود صديق يساعدك على التعبير عن مشاعرك. 10- تجنب الخلط بين التميز أو الاختلاف الذهني والتميز في السلوك الاجتماعي، فالشخص الذي يختلف في أفكاره عن الآخرين لا يختلف بالضرورة في تصرفاته وعلاقاته، ولا يؤكد اختلافه من أجل الاختلاف وحباً فيه، بل على العكس إنّها جوانب سلوكية تخلق لدى أصحابها تمركزاً عميقاً على الذات، قد ينتهي إلى تحويل التعبير عن القدرة الإبداعية إلى مكان هامشي. فضلاً عن هذا فإنّ انشغال الشخص بتأكيد اختلافه الاجتماعي عن الآخرين سيشغله عن تنمية المهارات العقلية والاجتماعية المطلوبة للإبداع، بسبب ما يثيره من صراعات وسخط. فالمجازفة إبعاد الذات عن التفكير البناء في العلاقات الاجتماعية، واستهلاك طاقته في إشباع حاجات هامشية بدلاً من توجيهها لتحقيق الحاجات التي يتطلبها العمل الإبداعي. 11- تعلم بعض الطرق السهلة لمواجهة الصعوبات والفشل، وفي هذا يقول بيفردج: إنّ من الدروس القاسية التي يجب أن يتعلمها الباحث المبتدئ أن يتجرّع مرارة الفشل دون أن يستكين أو يقهر. وأصبح من المعروف الآن أن المبدعين قد يلقون بعض الاستنكار وعدم التقبل من الآخرين، وقد تصطبغ حياتهم نتيجة لهذا بمشاعر القلق والخوف والإحساس بالعزلة، وهذا ليس ملائماً لما يتطلبه التفكير المنطلق والإبداع؛ ولهذا فمن المطلوب أن يُعنى بهذا الشخص، وأن يتعلم بعض الوسائل لمواجهة مخاوفه وقلقه وإحساسه بالعزلة. ويتطلب العمل الإبداعي لهذا شخصية قادرة على الثقة بالنفس، وقادرة على تقبّل الألم، وتحمّل الصعاب الذي تتضمنه عملية الاستمرار في تحقيق الأهداف والمقاصد الإبداعية.