محمد ولد محمد سالم القصيدة الشعبية ضمير ورسالة ، هذا هو الشعار الذي ارتضته هذا العام اللجنة المنظمة لمهرجان الشارقة للشعر الشعبي لهذه الدورة، وعياً منها بأن القصيدة الشعبية العربية هي كذلك فعلاً.. فهي ضمير لأنها وعاء قيمنا وتراثنا الحافظ له من التغير أو الاضمحلال.. فيها نقرأ عن عزة النفس وإبائها الظلم، وترفعها عن الرذائل، وسعيها للارتقاء لكل مجد.. عن الكرم والإيثار وحب الآخرين والاستعداد لإعانتهم، واحترام الإنسان وحب السلام.. عن الحب والطرب لكل جميل والميل لكل أصيل.. عن تاريخ مجتمعنا وما سطّره رجاله العظام من أمجاد، وما رسّخوه بأفعالهم من قيم نبيلة ووثقوه من علاقات قوية لحياة هنيئة.. إنها ذلك النهر الذي يتدفق رقراقاً على أرض راهننا، ليحمل لنا زلال ذلك النبع الصافي الذي لم تلوثه شوائب الحياة المعاصرة وانحرافات إنسانها.. هي ضمير حي يتردد صوته على أسماعنا فيوقظ أنفسنا، ويملأ مساحات وعينا بتلك القيم النبيلة. القصيدة الشعبية أيضاً رسالة، لأنها حين تحمل إلينا تلك القيم، تحفزنا على تمثّلها وممارستها في حياتنا والحرص عليها والدفاع عنها في كل الأوقات حتى تظل أنفسنا فوّاحة بالنبل وحياتنا محفوفة بالسعادة والجمال.. القصيدة الشعبية ضمير ورسالة، هذا هو المفهوم الذي انطلق منه المهرجان أول ما انطلق، وظل يرسخه عبر إحدى عشرة دورة من الاحتفاء بهذه القصيدة، وتمهيد الطريق لها لترتقي ويتسع نطاق التعاطي معها، وتترسخ قيمها في المجتمع، وينقلها السابق للاّحق في دورة مستمرة من جيل إلى جيل، وهذا ما يفسر اهتمام المهرجان - على حد سواء - بروّاد هذه القصيدة ومخضرميها وبالشباب الجدد في عالمها، لأن أولئك هم حملة المشعل القادمون من زمن النبل والحياة الكريمة، وهؤلاء هم أمل المستقبل لمجتمعنا وهويتنا الحضارية ولحياة أكثر نبلاً وجمالاً ومعاصرة.. في دورته الثانية عشرة يقبل المهرجان بثوب متجدد وجديد، متجدد لأنه يخطو خطوات أخرى على نفس الطريق الذي اختطه له صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة منذ وجّه بتأسيسه، فهو طريق للتأصيل والإبداع المستمر، وجديد لأن عودته بعد سنة من الغياب هي في حد ذاتها الجديد والحدث الأهم، نظراً لما يحمله بين طياته من حدائق الشعر وأحاديثه العطرة، وما يقطفه لنا من أزاهير الخيال المبدع وثمار الفكر المتقد، كل قصيدة جديدة لشاعر متمرس هي حدث جديد، لأنه يحاول فيها تجاوز إنجازاته السابقة وارتياد آفاق لم يطأها من قبل، كل فكرة نقدية يقدمها خبير بالشعر هي حدث جديد لأنها استقصاء لعناصر الإبداع في الشعر وإبراز لها لكي يتمثّلها الشعراء.. كل شاب يرتقي منبر الإلقاء أمام الجمهور هو حدث جديد، لأنه إعلان عن ميلاد شاعر سيحمل المشعل، لينير لنا درب حياتنا بالجمال، كل فتاة تجد الطريق لإسماع إيقاعاتها وخربشات قلبها الرقيق إلى الجمهور هي حدث جديد لأنها إعلان للبراءة والحب والأمل المتجدد، كل لقاء بين الشعراء هو حدث جديد لأنه تلاقٍ للتجارب وتحاور للأفكار وتماسّ للأخيلة، سيولد لا محالة رؤى أخرى جديدة ، كل لقاء بين الشعراء والجمهور هو قمة الجدة ، حيث عذوبة الإنشاد وطلاوة الكلمة وأسر الإيقاع وإدهاش الصورة ونبل المعنى، كل ذلك وأكثر هو جديد دورة هذا العام. عشر أمسيات وأصبوحات شعرية، بكل ألوان الشعر العامي العربي، تحتضنها قاعات مدينة الشارقة، وتمتد للمدن الشرقية حاملة أريج الإبداع إليها خلال سبعة أيام من التوهج الذي يضيء للجمهور دروب الجمال، وثلاثة مكرمين تركوا بصماتهم في سماء القصيدة النبطية الإماراتية، واثنان وأربعون شاعراً شعبياً تنادوْا من عدة أقطار عربية من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، وجمعتهم الشارقة على الجمال والحب لكي يجمُل وجه الثقافة العربية ويوحد أهلها حولها، ويرفع شأنها عالياً، وذلك هو قدر الشارقة، وتلك هي الخطة التي اختطها لها صاحب السمو حاكمها منذ أربعة عقود اتصلت بالعمل المستمر والعطاء المتدفق. dah_tah@yahoo.fr