جاء في مقالة الأسبوع الماضي ما معناه إن اضطراب أسعار النفط من طبيعة هذه السلعة منذ أكثر من 170 سنة. ولكن الذي تغير أن النفط صار أهم مصادر تمويل الإنفاق الحكومي في المجالات التنموية على المستويات كافة للدول النامية المصدرة للنفط. ومن الواضح حالياً أن مستويات أسعار النفط من أهم المؤثرات في الأسواق المالية العالمية سواء ارتفعت فجأة بسبب مخاوف أمنية كما حدث في حرب صدام والخميني ثم عندما احتل صدام الكويت، أو انخفاضاً كما يحدث الآن. ومع أن انخفاض مستويات أسعار النفط في الماضي كان ينفع كبار المستهلكين فيؤدي انخفاضها إلى خفض تكاليف الإنتاج، ومن ثم زيادة الأرباح وذلك يؤدي إلى ارتفاع مؤشرات الأسواق المالية، فإن ما يحدث في الماضي قد تغير. وكما شاهدنا في الأسابيع الماضية فقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى انخفاض مؤشرات الأسواق المالية لا ارتفاعها كما كان يحدث سابقاً. وبما أن الصين من أهم مستهلكي النفط، بل كل المواد الأولية كالحديد والنحاس، فإن الأسواق فسَّرت هبوط أسعار النفط ومشتقاته بأنها تعكس تراجع نسبة النمو للاقتصاد الصيني، من أكثر من 11 في المئة قبل سنوات قليلة إلى أقل قليلاً من 7 في المئة في عام 2015. وارتفاع قيمة الدولار أدى إلى رفع السعر الحقيقي الذي تدفعه غالبية دول العالم التي ليست مرتبطة بالدولار لبرميل النفط بحوالى 30 في المئة. وفي الوقت ذاته أدى ارتفاع قيمة الدولار كما يؤدي دوماً إلى خفض الصادرات الأميركية. وبالنسبة إلى الأسواق المالية التي أصبحت مترابطة من شنغهاي وهونغ كونغ وطوكيو إلى لندن وفرانكفورت ونيويورك وشيكاغو، فإن انخفاض أسعار النفط، بصرف النظر عن أسبابه، قاد إلى إفلاس بعض الشركات التي استمدت دخلها من إنتاج النفط الصخري المكلف. وهذه الشركات اقترضت بدورها من كبار المصارف التجارية الأميركية والأوروبية حين كانت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، فزادت مبالغ ديونها المعدومة. وتبع ذلك هبوط أسعار أسهمها وارتفاع تكاليف قروض تمويلها، كما تبعه أيضاً خفض موجودات المنشآت المالية التي قلَّت احتمالات حصولها على قروضها إلى شركات صناعة النفط. وهذا أدى الى انخفاض أسعار المنشآت المالية إجمالاً ورفع تكاليف حصولها على تمويل نشاطها. أضف إلى ذلك أن إرهاب «داعش» وإرهاب النظام السوري وحلفائه من المليشيات من بضع عشرة دولة التي مولها وسلّحها ودربها «الحرس الثوري» الإيراني، رفع مشاعر الخوف والتوجس في نفوس كبار المستثمرين ونتيجة لذلك هبط المستوى العام للاستثمار. ومستوى الاستثمار على مستوى العالم أجمع من أهم مكونات الطلب الكلي على كل السلع والخدمات بما فيها النفط وبقية القطاعات التي توظف النفط في ما تنتج. فصارت أسعار النفط وأسعار الأسهم والسندات تدور في حلقة مفرغة. فإن انخفض مستوى الطلب على البترول لأي سبب انخفضت أسعاره. وإذا انخفضت أسعار النفط انخفضت أسعار أسهم وأسعار سندات المؤسسات المالية فترتفع تكاليف التمويل والائتمان، وهو ما يؤدي إلى انخفاض المستوى العام للاستثمار في البناء والتوسع، وذلك يؤدي إلى خفض مستوى الطلب الكلي على النفط، فتنخفض أسعار النفط، وهلمّ جرا. ولعل تفسير انخفاض أسعار النفط، بأنه يعود إلى انخفاض نمو الاقتصاد الصيني ونسبة النمو العالمي إجمالاً، هو السبب الأهم الذي خلق هذا الترابط المشهود في الأسواق المالية بين هبوط أسعار النفط وتسارع انخفاض مؤشرات الأسواق المالية. * أكاديمي سعودي. أسعار النفط مرة أخرى(1من2)