تستضيف مدينة جنيف التي تُعد قبلة الاتفاقيات الدولية للسلام، جولة مفاوضات جديدة تتعلق بسوريا تحت عنوان جنيف 3. وتعتبر حظوظ التوصل إلى نتيجة واقعية في محادثات جنيف 3 أفضل بكثير من سابقاتها جنيف 1 في يونيو 2012، وجنيف 2 في ديسمبر 2014، اللتين انتهتا دون إحراز أي تقدم. تتمثل فرص نجاح المحادثات الحالية في جنيف3 - بتميزها واختلافها عن الجولات السابقة - في أنها جاءت بناء على قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في 18 ديسمبر 2015م الذي توافقت عليه موسكو وواشنطن. ويعكس تواجد ممثلين أمريكيين وروس وإيرانيين وسعوديين في هذه الجولة تلاقي أهداف القوى الدولية والإقليمية الباحثة عن إطار يمكن من خلاله تحقيق انفراجة سياسية في الأزمة السورية، حيث تدعى الإدارة الأمريكية برغبتها في توحيد الجهود لمحاربة تنظيم داعش وتحقيق هدف إيجابي في الملف السوري تمهيدًا لتسليمه لإدارة أمريكية جديدة في عام 2017م. كما ترغب الحكومة الروسية في قطف ثمار تدخلها العسكري في سوريا إلى نفوذ سياسي أكبر على الساحة الدولية فيما يتعلق بالشأن السوري، وحسب خبراء فإن التدخل الروسي في سوريا لم يكن أبدا بهدف تثبيت حكم الأسد بل لدفع الأمريكيين والاقليم إلى تقبل واقع أن روسيا تلعب دور المفتاح في هذه الأزمة، وقد حصل بوتين على غالب ما يريد خلال اجتماعات فيينا. من ناحية أخرى تتمثل الرغبة الإيرانية في تثبيت نفوذها من ناحية ومن ناحية أخرى الاستمرار في الخداع عبر إظهار ما تسميه : حسن نواياها تجاه الغرب، وإثبات أن مسار فيينا الخاص بمحادثاتها النووية يمكن تطبيقه على سوريا حاليًا ولاحقًا على دول أخرى، فيما تتمثل رغبة المملكة في الاستجابة لتوجهات المجتمع الدولي باعتبارها طرفا لا يحمل أجندة حالية أو مستقبلية في سوريا، وبالتالي تستطيع الحل، ووضع إطار لحل الأزمة يضمن تخفيف عبء الحرب في سوريا التى ستقارب عامها السادس. تتواجد احتماليات لفشل المحادثات تجمع بين أسباب فشل المحادثات السابقة (جنيف 1 وجنيف 2) بالإضافة إلى عوامل جديدة ظهرت على الساحة السورية منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا نهاية سبتمبر 2015. ومن أبرز العوامل السلبية عدم وضوح الآليات التي يمكن من خلالها ضمان تنفيذ ما سيصدر عن محادثات جنيف من تفاهمات على الأرض في ظل : عدم تضمين جبهة النصرة والجماعات المُقربة منها في هذه المحادثات وعدم التحقق من نية النظام السوري لإيجاد حل نهائي للأزمة، فيما يرى البعض أن طبيعة الدور التركي تقلصت الى ضمان عدم حزب الاتحاد الديمقراطي السوري في المباحثات. غموض الأجندة الروسية فيما يتعلق بالفترة الزمنية التي سيظل فيها الرئيس بشار الأسد داخل سوريا والتهرب المستمر من مسألة وضع جدول مُحدد لرحيل الأسد عن السلطة مع عدم وجود بديل له ولأركان النظام يستطيعون ان يحصلوا على ثقة موسكو ويضمنون بقاء نفوذها داخل سوريا في المستقبل، وتفاقم حالة الاحتقان بين الأقليات القومية والمذهبية داخل سوريا عقب أعوام من الاقتتال وصعوبة تحقيق إطار للعدالة الانتقالية أو إجراء محاكمات عادلة لجرائم الحرب التي أرتكبت في ظل تصاعد مناخ الطائفية والمذهبية على المستوى الإقليمي هو ما يهدد باحتمالية اندلاع الحرب مرة أخرى على المستوى المجتمعي. مستقبل سوريا صعب جداً، فوجود اتفاق أمريكي روسي حول الأزمة السورية، لا يخدم - بالتأكيد - سوى المصالح الأمريكية الروسية، ولا يمت بأية صلة لمصالح السوريين ومصالح أصدقاء الشعب السوري في المنطقة، إذ إن روسيا ستعمل على تشكيل دويلة أسدية وستقوم أمريكا ببناء دويلة كردية. أما العناصر الأخرى في سوريا - أي الثوار الذين حاربوا لدحر نظام الأسد المستبد - فسيتم تقويض تحركهم وإخماد ثورتهم بدعوى مكافحة الإرهاب.