×
محافظة المدينة المنورة

أمانة المدينة المنورة: تخلص آمن من النفايات بالمدينة عبر منظومة بيئية متكاملة

صورة الخبر

< الأسبوع الماضي تحدثنا عن اللاعبين الجدد في الاقتصاد السعودي، وكيف يمكن أن يسهم في رفع دخل السعودية من المشتقات غير النفطية، وتدريجياً يقفز إلى المقدمة متى ما أعطيت الفرصة وتم تذليل العقبات، وتناولنا في الجزء الأول قطاعات السياحة والآثار، والعمرة والحج، والأسر المنتجة، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وعن رواد الأعمال. اليوم، سنستكمل الجزء الثاني والأخير، ونستعرض بقية اللاعبين الذين يتوقع أن الاستعانة بهم في المرحلة المقبلة ليس فقط لتحسين دخل السعودية وفك الارتباط بالنفط تدريجياً، وإنما ستسهم في بناء ثقافة جديدة للاقتصاد المتنوع، والتحول من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي، وتتحسن معها بيئة سوق العمل وخلق الوظائف والمناخ الاستثماري، ورفع مستوى المنافسة. ومشروع التحول الاقتصادي ليس مشروعاً عاطفياً مبنياً على آمال وطموحات، إنما عمل شاق وجاد من مختلف الجهات والمؤسسات الحكومية، ويحتاج إلى مراجعة القوانين واللوائح والأنظمة التي أكل عليها الدهر وشرب، وتعاقب عليها العديد من الوزراء والمسؤولين، ولم يستطيعوا إزاحة المعوقات والصعوبات، وأعتقد أن مجلس التنمية والشؤون الاقتصادية التي يرأسها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عليها مسؤوليات جسيمة لشق طرق جديدة، وبحث المعوقات وإزاحتها، حتى لو تطلب الأمر استخدام المشرط لإنجاح العملية. ومن أهم الجهات التي بإمكانها أن تسهم في بحث التنوع الاقتصادي، وزارة الاقتصاد والتخطيط، ومجلس الشورى، من اللاعبين المرشحين - ويتطلب تثبت كفاءتها - الهيئة العامة للاستثمار، وكذلك هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، والنقل والطيران، والمؤتمرات والمعارض. بدايةً، يجب أن نعترف أن دخول السعودية إلى عضوية مجموعة الـ20 لم تأت محض الصدفة أو المجاملة، إنما نتيجة اعتراف عالمي لمكانة السعودية قوةً اقتصاديةً فاعلةً ومؤثرةً، إضافة إلى ملاءتها المالية، ويجب أن نحافظ على هذا المعيار العالمي، الذي وضعها في مركز متقدم مع الدول العظمى، سواءً أكانت صناعية أم اقتصادية، ومهمة الهيئة العامة للاستثمار رئيسة، وإذا لم تنجح كمسوق للمشاريع وجذب الاستثمارات واستقطاب الشركات الكبرى والعالمية إلى السعودية، فإن بقاءها واستمرارها يجب إعادة النظر فيه، أو تسند المهمة إلى شركات علاقات عامة وتسويق عالمية، لأن حرب خطف الاستثمارات على أشدها بين دول المنطقة، وجذب الاستثمارات المباشرة هي العنصر المهم، وهذا يتطلب عملاً شاقاً فليس دول المنطقة لوحدها التي تتنافس لكسب المزيد من السيولة، بل حتى دول آسيا والأسواق الناشئة، والمال اليوم يبحث عن بيئة جاذبة، وهذا يتطلب تغيير أسلوب التعامل في ما يضمن كسب المنافسة، وجذب الاستثمارات يساعد في دخول شركات متنوعة ونقل التكنولوجيا، والتحول إلى صناعة المعرفة. فتح قطاع التجزئة السعودي أمام الشركات الأميركية خطوة رائدة، إلا أن شح المعلومات وأسلوب التسويق لم يكن واضحاً، وبحسب الإحصاءات فإن حجم الاستثمارات الأجنبية في السعودية يبلغ نحو تريليون و50 بليون ريال، وهذا الرقم يعتبر هزيلاً وضعيفاً في ظل منافسة مفتوحة بين العديد من الدول في المنطقة. وفي دراسة أجرتها هيئة الاستثمار العام الماضي أظهرت أن 60 في المئة من الاستثمارات الأجنبية لم تسهم في رفع مستوى الخدمة، أو تحقيق أي من الأهداف الاقتصادية التنموية، كتوفير وظائف، وتنويع مصادر الدخل، ولم تنجح في تعزيز تنافسية المملكة، هذا التقرير يبين بوضوح أن الهيئة كانت تسير في خط غير واضح المعالم، وبلا رؤية. ومسؤولية هيئة الاستثمار ليس فقط جذب الاستثمارات الأجنبية، بل عليها أن تقوم بصناعة منافسة داخلية بين المناطق والمدن، بما يجعل المستثمر المحلي سواءً أكان مقيماً أم مواطناً تواقاً لبحث فرص الاستثمار في هذه المناطق بما تتوافر أمامه من عناصر جذب. فمدن مثل الطائف وأبها والباحة وجزيرة فرسان مناطق سياحية تحتاج إلى جذب مستثمرين محليين وشركات أجنبية لإقامة مشاريع سياحية، وربما أكبر تحدٍ أمام هيئة الاستثمار كيفية إعادة رؤوس الأموال السعودية المهاجرة، فإذا كان المستثمر فقد الثقة ولم يجد الاهتمام في بلده، فكيف للمستثمر الأجنبي أن يُقبِل مسروراً بالمجيء إلينا. فهو يحتاج لضمان المنافسة والعدالة والمساواة في التعامل مع الشركات وعدم المجاملة فالأجود والأفضل هو الرابح. قطاع النقل في السعودية واحد من أسوأ القطاعات الخدمية في السعودية، ودخل فيه مستثمرون همهم كسب المال، وليس تقديم الخدمة بطريقة مبتكرة أو جيدة، فالقطار بعد 100 عام يجري حالياً ربطه بين مدن المملكة، والعمل فيه يسير ببطء شديد، ومعالم تشغيله غير واضحة، فمتى نحلم باكتمال بقية مشاريع النقل العام مثل المترو والقطارات المعلقة داخل المدن، فمثلاً الرياض تحتاج إلى قطار يربطها مع المدن وإلى مترو يسير داخل المدينة نفسها، وقطار معلق يربطها بالمناطق السكنية، وتطوير قطاع النقل العام من حافلات وسيارات الأجرة، وهذا إلى جانب أنه سيوفر استهلاك الوقود، إلا أنه يحقق دخلاً جيداً من استخدام وسائل النقل المتطورة، ولا يبدو في الأفق أي ملامح لبناء وسائل نقل متطورة، فصناعة النقل الجوي، تواجه صعوبة شديدة في تغطية الطلب الشديد، ووجود شركة كبيرة واحدة مثل الخطوط السعودية وشركات صغيرة أخرى، يجعل المعادلة صعبة، فقطاع النقل يحتاج إلى نحو 10 شركات نقل جوي محلي ويتم التعامل معها بعدالة ومن دون تحيز لشركة معينة، فالسوق السعودية تحتاج إلى نقل جوي منخفض الكلفة، وليس إلى طيران فخم، ومقاعد محددة لرجال الأعمال فقط. صناعة النقل الجوي ستلعب دوراً مهماً في كسب حصة من السوق المحلية والخارجية، إذا استطاع رفع مستوى الخدمة، واستفاد من السياحة الدينية. صناعة المعارض والمؤتمرات قطاع اقتصادي مهمش ولا يجد اهتماماً، الكثير من الدول من خلال الفعاليات تكسب سياحاً، وحضور شركات عالمية كبرى، فمعرض إكسبو الذي ينظم كل خمس سنوات، هو حدث اقتصادي مهم تتنافس عليه المدن لتنظيمه، لما له من أثر في استقطاب الزوار والسياح. صناعة المعارض في السعودية لا تزال تراوح مكانها، لسوء التنظيم وعدم جودتها، حتى البرنامج الوطني للمعارض والمؤتمرات لا أظن أنه يضم خبرات مهنية عالية الجودة، لو تم تنظيم خمس فعاليات خلال العام بمهنية عالية فإنها ستكسب رضا الناس وثقة الشركات، فالفعاليات والمؤتمرات صناعة اقتصادية، تحقق دخلاً جيداً، وتخلق فرص عمل، وفرصة لدخول شركات أجنبية واستكشاف الأسواق المحلية. أمام المسؤولين السعوديين عمل شاق، يحتاج إلى جدية للتحول الوطني وطرح الأفكار، حينما تكون مهزوماً، فكل وقت يمضي ولم تستغل أي هجمة أمام المرمى، هو تضييع للوقت، ما يعني إما أن تستسلم للهزيمة أو تغير طريقة اللعب. والحقيقة أن ضياع الفرص ليس من صالحنا.     * صحافي وكاتب اقتصادي. jbanoon@