اختلط يوم لبنان الحزين والغاضب أثناء تشييع جثامين الوزير السابق الشهيد محمد شطح ومرافقه الشهيد طارق بدر ثم الفتى الشهيد محمد الشعار وسط اجراءات أمن عزلة وسط بيروت عن المناطق، بالمواقف والدلالات السياسية المهمة والتطورات الأمنية المقلقة على جبهة الجنوب، بفعل اطلاق 4 صواريخ قرابة السابعة صباح أمس سقط اثنان منها في أراضي مستعمرة كريات شمونة الإسرائيلية، فيما سقط آخران داخل الأراضي اللبنانية، فردت اسرائيل بعشرات القذائف المدفعية على مناطق لبنانية حدودية، من دون سقوط إصابات على الجانبين. وشهد يوم أمس فصلاً جديداً من فصول الانقسام اللبناني وقال فؤاد السنيورة رئيس كتلة «المستقبل» النيابية في كلمته عقب مواراة شطح وبدر الثرى على وقع هتافات «الشهيد حبيب الله وحزب الله عدو الله»: «قررنا تحرير الوطن من احتلال السلاح غير الشرعي لكي نحمي استقلاله ونصون سيادته وسلمه الأهلي، وأكد على أن «نسير مع شعب لبنان المسالم الى مقاومة سلمية مدنية ديموقراطية»، و»اننا لن نستسلم وسنتصدى وسنواجه والشرعية حانت ساعتها»، وختم بالقول: «الشهيد البطل محمد شطح، ما كان قبل اغتيالك لن يكون بعده». وأثارت الكلمات والتصريحات التي صدرت عن نواب في قوى 14 آذار ضد «حزب الله» متهمة اياه بالمسؤولية عن الاغتيال الأخير، ردَّ عدد من نوابه عليهم. وقال رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد: «نمد أيدينا للحوار والمصالحة الوطنية ولا نجد في المقابل إلا تحريضاً وصداً»، واعتبر أن «استهداف الوزير شطح أدى الى استعار الخطابات التوظيفية التي تعمق الانقسامات». وفيما تتحدث أوساط عدة عن نية رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تشكيلها تمام سلام تأليف حكومة جديدة مطلع الشهر المقبل من غير الحزبيين، أعلن سليمان في كلمة له الى اللبنانيين مساء أمس، عرض فيها الجهود التي بذلها في اتصالاته الخارجية لمصلحة اللبنانيين، وأنها انتهت بمساعدة سعودية بـ 3 بلايين دولار للجيش اللبناني، وكان لافتاً تأكيده أنه «لم أناقش يوماً مع خادم الحرمين الشريفين ورئيس فرنسا ورئيس الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وغيرهم عملية تشكيل الحكومة أو تمديد ولايتي الرئاسية كما انهم لم يطرحوا بدورهم معي هذه المواضيع». وجاء كلام سليمان هذا رداً على تقارير صحافية متنوعة وتصريحات سياسية في هذا الصدد. وكان مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار الذي أم الصلاة على جثماني شطح وبدر في جامع محمد الأمين وسط بيروت تحدث عن «صراع ومعركة بين البناء والعطاء وبين فريق آخر آثر أن يكون سبيله القتل والتدمير»، وقال: «لن نتبنى أفكاراً ارهابية»، واصفاً الشهيد شطح بالرمز الكبير، وقال: «ستتشكل الحكومة قريباً بإذن الله لتستوعب قضايا الوطن ومن دون نكاية ودون كسر وإنما بتوافق». وإذ ووري شطح وبدر في مدفن قرب ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري ورفاقه واللواء وسام الحسن، شارك في التشييع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس سلام وقادة 14 آذار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع و «الجماعة الإسلامية» ووفد موسع من وزراء ونواب الحزب التقدمي الاشتراكي ومشايخ الطائفة الدرزية. وفيما ارتفع عدد ضحايا التفجير الذي استهدف شطح الجمعة الماضي الى ثمانية بوفاة الجريح أنور بدوي، شيعت بيروت بعد الظهر الفتى محمد الشعار في جامع الخاشقجي عند أطراف ضاحية بيروت الجنوبية وسط أجواء مؤثرة، حيث أحاط بنعشه رفاقه التلامذة في صف البكالوريا القسم الأول وهم يبكونه، وحضر التشييع نجلا الشهيد شطح راني وعمر ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري ووفد من تيار «المستقبل». وتسبب حضور مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الى الجامع، وهو كان غير مرغوب في حضوره الى جامع محمد الأمين، نظراً الى خلافه مع ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين، بتوتر شديد إذ أخذ بعض الشبان يطالبون بخروجه ويهتفون: «الشهيد حبيب الله والمفتي عدو الله». وأمَّ الصلاة على الشعار أحد المشايخ فيما اضطرت قوى الأمن الداخلي الى التدخل لإخراج المفتي قباني من الجامع تحت حمايتها بعد أن كان مكث قرابة ساعة داخل الجامع جراء توعّد بعض الشبان الغاضبين بمهاجمته عند خروجه منه. وإذ تنشر «الحياة» ترجمة لنص رسالة قالت «وول ستريت جورنال» إن شطح كان أعدها وهي موجهة الى الرئيس الإيراني حسن روحاني تدعوه الى تأييد خطوات تصدر عن مجلس الأمن بالتزام جميع الدول، بما فيها ايران، تحييد لبنان، فإن مصادر في تيار «المستقبل» أوضحت أن الرسالة هي مسودة كانت وضعت لمناقشتها من قبل قوى 14 آذار ليوقعها نوابها ويرسلوها الى طهران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، كان شطح شارك في صوغها مع السنيورة وقيادات أخرى. ولم يكتمل تداخل الهموم اللبنانية جراء تفجير الجمعة الماضي وتداعياته مع الظروف الإقليمية المحيطة بلبنان، إلا باستفاقة اللبنانيين صباح أمس على أنباء اطلاق 4 صواريخ من المناطق الجنوبية الحدودية على فلسطين المحتلة، حيث سقط اثنان في كريات شمونة واثنان في أحد الأودية القريبة من بلدة مرجعيون في الأراضي اللبنانية، وأعقبه اطلاق الجيش الإسرائيلي القذائف على مناطق لبنانية عدة. وإذ استنفر الحادث، الذي تقوم به عادة «جهة مجهولة»، الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة الموقتة في الجنوب، حمّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه موشي يعالون الحكومة اللبنانية المسؤولية، ووصفت قيادة «يونيفيل» الحادث بـ «الخطير جداً» وجرت اتصالات من أجل ضبط النفس في الجانبين. وأعلن الجيش اللبناني عن العثور على 4 منصات استخدمت لإطلاق الصواريخ. وتلقى الرئيس ميقاتي اتصالاً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عبّر له خلاله عن ادانته اغتيال الوزير السابق محمد شطح، مشدداً على دعم الأمم المتحدة «جهود الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان. وتناول البحث الوضع في الجنوب. كما تلقى اتصالاً مماثلاً من الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي. من جهة ثانية، دان رئيس الحكومة «محاولات توتير الوضع على الحدود اللبنانية الجنوبية وإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان والقصف الإسرائيلي على قرى جنوبية والخروقات الإسرائيلية المستمرة للسيادة اللبنانية». وأكد «ان لبنان ملتزم تطبيق القرار الدولي الرقم 1701 والتعاون بين الجيش اللبناني واليونيفيل».