×
محافظة المنطقة الشرقية

صحيفة الشرق – العدد 1521 – نسخة الدمام

صورة الخبر

أميركا وليست أي دولة في العالم تحتل المركز الأول في كثرة الديانات والمذاهب والطوائف الدينية.. فهي في الأساس بلد للمهاجرين والمضطهدين انتقلوا إليها طمعاً في حياة جديدة ونظام سياسي لا يحابي أحداً ضد أحد.. والنتيجة أنها تملك اليوم 4807 ديانات ومذاهب رسمية، وأكثر من 47 فرقة إسلامية، و4807 كنائس منشقة عن المسيحية، و165 طائفة تعبد الشيطان، و96 مجموعة تعبد جرماً سماوياً، و52 مجموعة تعبد أوثاناً خاصة... السؤال هو: لماذا لم تقم فيها حروب دينية ونزاعات طائفية وعصابات إرهابية رغم كل هذه الأرقام؟ لماذا تنعم بهدوء وسلام لا تحظى به دول إسلامية لا تضم سوى مذهبين أو ثلاثة؟ الجواب: لأنها دولة علمانية دستورية لا تهتم أصلاً بعقائد الناس ودياناتهم.. ... فالعلمانية في تعريفنا كفر وزندقة، ولكنها في حقيقتها تعني حرية المعتقد وعدم تدخل الدولة في الممارسات الدينية أو معاملة الناس على هذا الأساس.. تتبنى مفهوم (عدم التدخل) وتختلف بالتالي عن الماركسية الإلحادية أو الحكومات الدينية التي تتخذ موقفاً مضاداً من الديانات والمذاهب المخالفة لها.. لهذا السبب تلاحظ أن الأقليات الإسلامية في الدول العلمانية (كألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية) تعيش في أمان وحرية؛ في حين تعاني من الاضطهاد الديني والمذهبي في دول هي في أساسها إسلامية (كإيران وسورية والعراق وأفغانستان)... لم تقم في أميركا نزاعات دينية مسلحة لأنه من غير المسموح للدولة (ولا أي جهة رسمية أو أهلية) بمحاباة أحد أو مساندة أحد ضد أحد.. في أول صفحة من الدستور الأميركي يوجد بند ينص على: "عدم حق الكونغرس في إصدار أي قانون يتعلق بدين من الأديان أو منع ممارسته بحرية وأمان".. وهذه بلا شك صياغة قوية وقاطعة كونها (لا تتحدث) عن إصدار قوانين تحمي الممارسات الدينية، بل عن عدم امتلاك الحكومة أصلاً الحق في إصدار أي قوانين تخص هذا الموضوع.. ومن خلال هذا النص ندرك أن العلمانية في أميركا تختلف عن العلمانية في أوربا؛ حيث تمنع الأولى الدولة من التدخل في مسألة الأديان والعقائد، في حين تمنع الثانية الأديان والعقائد من التدخل في شؤون الدولة.. لو أن الحكومة الأميركية ساندت مثلاً البروتستانت التطهيريين (أول المذاهب التي أسست الدولة) ضد الكاثوليك أو الأرثوذكس لقامت بها صراعات دينية كالتي عانت منها أوربا.. ولو كانت تساند المسيحيين ضد المسلمين لقامت بها محاكم تفتيش كالتي شهدتها أسبانيا.. ولو كانت تريد بالمسلمين شراً لساندت مذهباً ضد آخر، وغدت أحياء المسلمين في ديترويت ونيويورك كأحياء بغداد وحمص وبنغازي.. لو كان همها توحيد دياناتها والتمييز بين مذاهبها لكانت اليوم دولة شرق أوسطية متخلفة ولما استمتعنا نحن بالإنترنت والبوينج وحقول النفط!! .... وبالطبع هناك من يعتقد أنني أمدح أميركا وأحاول تصويرها بصورة مثالية.. ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد شيء يدعى "أميركا" بل توجد مساحة جغرافية تضم 190 جنسية عالمية و4807 ديانات رسمية تعيش تحت مظلة دستورية تعتمد على التوافق وعدم التدخل في شؤون الآخرين.. لم أتحدث عن حكومة أو رئيس أو شعب بل عن دستور ونظام ومفاهيم مطلقة يحصد ثمارها (أي مجتمع) ينجح في تطبيقها.. أتحدث عن توافق وحرية معتقد نسينا نحن وجودها في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً (لكم دينكم ولي دين) (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)... وفي المقابل، ليس أغبى ولا أسخف من محاولة فرض الإيمان بقوة السلطة أو امتلاك السلاح.. النتيجة الوحيدة لمحاولة كهذه هي خلق نزاعات دينية ومذهبية تعاني منها اليوم معظم شعوبنا العربية والإسلامية. .. نزاعات وفتن ومنظمات إرهابية كان الأولى بها أميركا صاحبة المركز الأول في عدد الديانات والمذاهب المتنافرة! fwf966@gmail.com