هل يمكن لنقطة واحدة حتى لو سقطت سهواً من قلم أن تقلب المعنى رأساً على عقب؟ مناسبة هذا السؤال هي عنوان كتاب أمين معلوف اختلال العالم والنقطة هنا هي الفارق بين الاختلال والاحتلال. رغم أن هناك علاقة ما بين المفردتين فما كان لعالمنا أن يصاب بالاختلال وفقدان التوازن لولا أنه محتل فالعولمة هي اسم مخفف للاحتلال ما دام المقصود بها بعيداً عن تلاعب الميديا هو إخضاع الثقافات والهويات لمطرقة تحذف الفروق بينها. يقول معلوف إن العالم دخل إلى الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين ببوصلة معطوبة، والبوصلة في سياق كهذا ليست جغرافية أو جهوية فقط. إنها أيضاً أخلاقية وقد سبق لفلاسفة أن تحدثوا عن هذه البوصلة التي ترسم الحدود الفاصلة بين الحق والباطل والجميل والقبيح، لكن أمين معلوف يقرأ الخمسة عشر عاماً التي مضت من هذا القرن من خلال مقاربة مختلفة لأنه عربي لبناني يكتب بالفرنسية وعانى ما سماه الهويات القاتلة وأصدر كتاباً بهذا العنوان قال فيه إن البوتقة الحضارية قادرة على استيعاب عدة هويات قد تبدو متناقضة في الظاهر لكنها متعايشة في العمق والجوهر. النقطة الفاصلة خصوصاً في لغتنا قد تحول المعنى إلى نقيضه تماماً كما هي الحال في كلمتي العار والغار، لكنها في كتاب معلوف لا تفعل ذلك، ما دام الاختلال هو من نتائج الاحتلال وإفرازاته. والفارق بين مثقف مأخوذ بنموذج يحاكيه ومثقف عضوي وفاعل هو كالفرق بين الصدى والصوت، فالمثقف المأخوذ يصدق عليه ما قاله قبل قرون ابن خلدون عن ثقافة المغلوب، الذي لا تكتمل هزيمته إلا إذا تقمص الغالب ورأى فيه الكمال ثم أخذ يقتفي خطواته. وهناك مثقفون من العرب الذين يعيشون في الغرب أفقدتهم الصدمة الحضارية توازنهم وأصبحوا كالمنبت الذي لا غرباً قطع ولا شرقاً أبقى، وبالمقابل هناك مثقفون تشبثوا بهويتهم وأقاموا علاقة جدلية وندية مع الآخر المختلف لهذا احترمهم الآخر واعترف بهم ولم يتعامل مع ثقافتهم باعتبارها فولكلور فقط. والمثقف لا يقترح علينا وصفة محددة لعلاج الظواهر السلبية في حياتنا بقدر ما يحرضنا على طرح الأسئلة لهذا لم يقل معلوف من هم المنوط بهم إصلاح البوصلة المعطوبة لكنه بالتأكيد قال إن من أصابها بالعطب لن يتولى إصلاحها.