في وقت رفض فيه ستيفان دو غريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، وصف دبلوماسيين محادثات جنيف بـ«الفاشلة»، جاءت الوثيقة السرية التي نشرتها مجلة «فورين بوليسي» الأميركية لتكشف أن «الأمم المتحدة سمحت لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بتعديل الحقيقة في الحرب السورية لصالحه، بهدف رسم صورة أكثر إيجابية عنه». دو غريك قال خلال المؤتمر الصحافي اليومي للأمم المتحدة في نيويورك «إن المبعوث الأممي عقد اجتماعات مع مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، ولقاءات مع ممثلي المجتمع المدني، وهو مستمر في محادثاته». وأوضح أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا قال «إن المحادثات ستشهد نجاحات وإخفاقات»، مؤكدا الاستمرار في المحادثات مع الأطراف السورية بهدف تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحل الأزمة السورية. لكن في المقابل، في تقرير مفصل، أشارت «فورين بوليسي» إلى أن «الأمم المتحدة سمحت لنظام بشار الأسد بتحريف الواقع في الحرب السورية لصالحه»، معتبرة أنها «أغفلت العديد من الفقرات في خطة تتعلق بالاستجابة الإنسانية لرفع الحصار المفروض من قبل قوات النظام على مدن وبلدات سورية، بهدف رسم صورة أكثر إيجابية عن النظام». وطرحت تساؤلات حول «الطريقة التي تتعامل بها الأمم المتحدة مع القضية السورية، ولصالح من تعمل». ويقول روي غوتمان في التقرير الذي أعدته ونشرته المجلة يوم الأربعاء الفائت: «إن الإحصاءات الصارخة في ملخص الأمم المتحدة السنوي لبرامج الإغاثة التابعة للمنظمة تحكي قصة الكابوس الإنساني في سوريا. إنها دولة تعيش على الدعم، حيث يوجد 13.6 مليون شخص في حاجة للمساعدات الإنسانية، ويجري تهجير السوريين بمعدل 50 أسرة في كل ساعة يوميا، ويوجد مليون شخص على الأقل في مخيمات النازحين لا يحصلون على المساعدة الدولية». ويشير غوتمان إلى أن «المفاجأة الكبرى هي في قراءة خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية التي نشرت يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث غيرت الأمم المتحدة بعد التشاور مع حكومة نظام الأسد عشرات المقاطع وحذفت المعلومات المهمة بهدف رسم صورة أكثر إيجابية عن نظام الأسد». وتوضح المجلة في تقريرها أنه «بالمقارنة بين النسخة النهائية لخطة الأمم المتحدة والمسودة التي حصلت عليها (فورين بوليسي)، فمن الواضح أنه جرت إزالة 10 إشارات لكلمة «محاصر» أو «المناطق المحاصرة»، مثل مضايا - وهي بلدة جنوب غربي سوريا شهدت موت 23 شخصا من الجوع على مدى عدة أشهر قبل وصول قافلة مساعدات الأمم المتحدة في منتصف يناير (كانون الثاني). واختفى أي ذكر «للبراميل المتفجرة» التي يسقطها النظام بشكل عشوائي على المناطق المأهولة بالسكان، واختفى كل ذكر لـ«جماعات الإغاثة السورية» التي توصل المساعدات إلى المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أقر بأنه «تم إجراء التعديلات بناء على طلب من حكومة الأسد». إذ قالت ليندا توم، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنساني: «إنه الإجراء القياسي المعتمد للأمم المتحدة مع كل البلدان وهو التشاور مع حكومة البلد»، وذلك في إجابتها عندما سُئلت عن حذف الإشارات إلى «الحصار» أو «المحاصر». كذلك أكدت أماندا بيت، رئيسة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى «فورين بوليسي»: «أفترض أنه حصل ذلك بعد التشاور مع مجموعة من الشركاء بما في ذلك الحكومة (حكومة الأسد)، كما جرت العادة». وتابعت المجلة أن «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية رفض إجراء أي مقابلة أو حتى الرد على أسئلة أخرى». وأضافت: «إن حذف الأمم المتحدة أي ذكر للحصار جدير بالملاحظة، لأن أزمة مضايا لم تنته بعد. فعلى الرغم من سماح نظام الأسد لوكالات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري بإدخال بعض المستلزمات الطبية بدءا من 11 يناير (كانون الثاني) الحالي، فإن ميليشيا حزب الله اللبناني وجيش النظام منعا إجلاء مئات الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية الحاد والذين يريد الأطباء أخذهم إلى المستشفى. كما قيد الطرفان تسليم الوقود، حيث سمح لقسم ضئيل فقط مما كانت الأمم المتحدة قد خططت لإدخاله بالوصول إلى مضايا». وقال محمد يوسف، وهو منسق وحدة مضايا الطبية المحلية، لمجلة «فورين بوليسي»: «إن 13 مدنيا توفوا بعد وصول قوافل المساعدات، من بينهم مراهق مات أمام أعين مسؤولي المنظمة الأممية (اليونيسيف)». وترى المجلة في تقريرها أن الأمم المتحدة «لا تقول الكثير عادةً عن الوضع في المناطق المحاصرة، مفضلةً الدبلوماسية الصامتة، لكن هذا النهج لم يجدِ نفعا في عام 2015، مع رفض نظام الأسد لتسعة من أصل عشرة طلبات لإرسال المواد الغذائية والأدوية إلى المناطق التي تصنفها الأمم المتحدة كمناطق محاصرة أو «يصعب الوصول إليها». وكانت المنظمة الدولية قد تعرضت للكثير من الانتقادات لبقائها صامتة لعدة أشهر على وضع مضايا حتى بدأت صور الأطفال الذين لقوا حتفهم من الجوع تظهر للعلن، ومع ذلك في «تحديث سريع» نشر يوم 17 ديسمبر (كانون الأول)، كشف مسؤولو الأمم المتحدة أنهم لم يتمكنوا من الحصول على الموافقة لعمليات الإجلاء الطبي. وقال التحديث في إشارة إلى أن العديد من الحالات تتطلب الرعاية المتخصصة العاجلة خارج مضايا، وفي أماكن أخرى عشرات الأشخاص يحتاجون إلى المساعدة: «مع أنه تم إجلاء 10 أشخاص خلال الأيام الأخيرة، فإن الموافقة على إجلاء الآخرين لا تزال قيد الانتظار»، وفق «فورين بوليسي». وتنقل المجلة عن ممثلين عن منظمات الإغاثة السورية قولهم إن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية قد قلص بشكل كبير عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى معالجة عاجلة، مؤكدين أن هناك نحو 400 شخص يجب إجلاؤهم. وتلفت إلى أن «خمس منظمات إغاثة سورية اتهمت الأمم المتحدة بالتفاوض على صياغة تقريرها مع نظام الأسد»، مضيفةً أن «إزالة جميع الإشارات إلى المناطق المحاصرة تقلل من خطورة الانتهاكات للقانون الدولي التي يقوم بها النظام، وإزالة الإشارات إلى الألغام تمثل مصادقة ضمنية على موقف النظام القائل بأن إزالة الألغام عمل عسكري». ويعتقد بعض عمال الإغاثة أن «استعداد الأمم المتحدة لمجاراة النظام يرجع إلى خوفها من إقدامه على طردها من دمشق». وفي رسالة منفصلة يوم 13 ديسمبر الماضي، اشتكى 112 من عمال الإغاثة بمرارة من أن الموظفين في مكتب الأمم المتحدة في دمشق «إما مقربون جدا من النظام أو خائفون من سحب تأشيراتهم من قبل نفس القوى المحاصرة لنا». ومن جهة ثانية، وجهت الرسالتان إلى ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، فرد برسالة يوم 17 ديسمبر إلى «أعضاء من المجتمع المدني السوري» تجيب على كل الشكاوى على ما يبدو. وأكد أن الأمم المتحدة ليست مقربة من أي طرف.. «ولم تكن تتصرف بهذه الطريقة لتشجيع استخدام تكتيكات الحصار». ثم قال: «إن الأمم المتحدة دعت مرارا وبشكل لا لبس فيه إلى وضع حد للحصار كسلاح من أسلحة الحرب ضد المدنيين، ودعت للوصول الكامل من دون عوائق وغير المشروط والمستمر لجميع المحتاجين في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها في سوريا». ومع ذلك، لا يوجد أي اقتراح أو إيحاء بأن مسؤولي الأمم المتحدة سيراجعون سياستهم في التفاوض سرا للحصول على الموافقة لتقديم الغذاء والدواء، وهي المهمة التي أقرها مجلس الأمن الدولي بالإجماع.