تشهد الساحة السياسية الداخلية والساحة الإعلامية نقاشات وسجالات بخصوص مسعى حكومة حزب العدالة والتنمية لإقرار دستور جديد للبلاد بدلا من الدستور الحالي الذي تم إقراره عام م. فقد انطلقت هذة النقاشات عقب دعوة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في أول جلسة للبرلمان التركي الجديد في ديسمبر م للبدء في أعمال إقرار دستور جديد للبلاد، ثم إزدادت النقاشات عقب توجيه رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان دعوات للأحزاب السياسية الأربعة المتواجدة في البرلمان (حزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية، حزب الشعوب الديموقراطي) لترشيح ثلاثة نواب لعضوية اللجنة التي ستباشر أعمال تغيير الدستور والتي تتكون من عضوا، وفي أعقاب لقاء رئيس الحكومة ورئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو مع رئيسي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية بخصوص الأمر نفسه. وتظهر النقاشات السياسية والإعلامية والأكاديمية حول هذه المسألة مساحات للتوافق ومساحات للإختلاف بين الأحزاب التركية، حيث يكاد يوجد إجماع لدى النخبة السياسية التركية بأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعيشها تركيا قد اختلفت عن الأوضاع التي صاحبت عملية وضع دستور والذي جاء عقب الإنقلاب العسكري للجنرال كنعان إفرين عام م. فقد شهدت العلاقات المدنية العسكرية تطور إيجابي في العقد الأخير وبات دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية أقل تأثيرا، كما تشهد الحياة العامة انفتاحا ثقافيا ولغويا واجتماعيا في مختلف المجالات ليظهر التنوع العرقي والخصوصيات الثقافية للقوميات المختلفة داخل تركيا الأمر كان يعتبر غير مشروع قانونيا ودستوريا منذ أكثر من ثلاثين عامًا. ومن ثم تتفق الأحزاب التركية على أهمية تضمين هذة المكتسبات السياسية والاجتماعية كمواد جديدة في مشروع الدستور للحفاظ عليها وتعديل كافة القوانين التشريعية لتتلائم مع المواد الخاصة بحقوق الإنسان والحقوق السياسية. في المقابل تظهر مساحات الإختلاف بوضوح في مسألة شكل النظام السياسي والعلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية في المرحلة المقبلة، حيث يدفع رئيس الجمهورية والحزب الحاكم باتجاه اختيار النظام الرئاسي ومنح منصب الرئيس سلطات تنفيذية في تعيين المسؤولين الحكوميين في مختلف القطاعات ودور أكبر في صياغة السياسات العامة ورفع شرط عدم الانتماء لحزب سياسي لمن يتولى هذا المنصب. ويستند الحزب في رأيه على ضرورة تفادي الآثار السلبية التي عاشتها تركيا وقد تعيشها من أي إضطرابات تحدث في عملية إتخاذ القرار في حالة وصول حكومات إئتلافية للسلطة. في المقابل يعارض حزب الشعب الجمهوري (أكبر الأحزاب المعارضة) هذا الطرح مبررا مخاوفه من اختصار السلطة في منصب رئيس الجمهورية، ومستندين على سبب أن البرلمان يكتسب أهميته بإعتباره الممثل الأشمل للتوجهات السياسية المختلفة في تركيا. أيضا تظهر مساحات الإختلاف في مسألة توسيع صلاحيات واختصاصات الإدارات المحلية وتطبيقات اللامركزية في نظام الحكم المحلي في تركيا. حيث يدعم حزب الشعوب الديموقراطي الكردي هذا الطرح ويدفع لتضمين مواد تكفل تكوين هيئات شرطية مدنية تحت إدارة كل وحدة محلية وتوسيع الاختصاصات المالية بكل وحدة كي تتولى إدارة شئونها الإقتصادية وتشرف على الخدمات التعليمية في نطاق حكمها بالإضافة إلى تضمين لغات العرقيات الأخرى الموجودة في هذة المناطق كلغة رسمية بجانب اللغة التركية. فيما يعارض حزب الحركة القومية هذا الطرح من منطلق قومي يميني ومثيرا لمخاوف إستئثار الأكراد بإدارة شؤونهم بشكل مستقل عن الدولة التركية. من ناحية أخرى تحتاج عملية إقرار الدستور الجديد في البرلمان إلى موافقة نائب من أجل تمرير مشروع الدستور على إستفتاء شعبي أو موافقة نائبا من أجل إقراره مباشرة بدون استفتاء، وبالنظر إلى مواقع الأحزاب في البرلمان بعد انتخابات نوفمبر م فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم يحتاج إلى أصوات نائبا إضافيا لتمرير مشروع الدستور إلى استفتاء شعبي. أيضا مازالت معضلات الخلافات بشأن المسائل الرئيسية خاصة شكل النظام السياسي وحدود الصلاحيات التي ستمنح لوحدات الحكم المحلي من أبرز المواضيع التي ستشهد نقاشات قوية داخل لجنة الدستور في الفصل التشريعي الحالي والتي يعززها سيادة حالة عدم الثقة وثقافة المعادلات الصفرية بين الأطراف السياسية. في المقابل يظهر سيناريو أخر لاحتمالية تجاوز هذة العراقيل، حيث تذهب آراء بعض الخبراء الأتراك إلى أن حزب الحركة القومية قد يميل تجاه تأييد طرح حزب العدالة والتنمية تجنبا لحدوث أي انقسامات مستقبلية في قاعدته الانتخابية بعدما ذهبت أصوات كثيرة منه إلى حزب العدالة والتنمية لمنع ظهور ذلك الأمر مجددًا في حالة إعلان انتخابات برلمانية مبكرة إذا ما تعثرت أعمال إقرار مشروع الدستور الجديد.