الدولة الحديثة في مصر شبه القومية، هي أحد أبرز إنجازات النخبة السياسية المؤسسة لها واستطاعت أن تستولد شرعية وجودها وحضورها السياسي وسط قطاعات اجتماعية واسعة، بحيث نستطيع القول إن الدولة وتقاليدها القديمة باتت جزءاً من الثقافة السياسية والوعي الاجتماعي الجمعي، والأهم أنها تحولت إلى عقيدة وضعية فاعلة، وهو أحد الأسباب الرئيسة لتماسكها النسبي إزاء الاضطرابات والفوضى في الإقليم. لكنه رغم هذا يتعين تشخيص الأزمات التاريخية والاجتماعية والثقافية وراء شيخوخة الدولة والنخب الحاكمة والمعارضة وعدم تجددهم، وذلك على النحو التالي: 1ـ النشأة المبتسرة للدولة الحديثة، واعتمادها تاريخياً على حكم الفرد. 2ـ استمرارية الدولة، لكن في ظل الانقلابات الدستورية، والتلاعب بمبدأ علو الدستور قبل ثورة 1952، وهامشية دوره بعدها . 3ـ النخبة السياسية والمعارضة جاءت من أعطاف الدولة البيروقراطية ومؤسساتها وأجهزتها، ولم تأت من خلال التعددية السياسية والحزبية. 4ـ انقطاع التقاليد السياسية من المرحلة شبه الليبرالية إلى التسلطية السياسية قبل 25 يناير 2011 وما بعدها. 5ـ ضعف وتراجع الثقافة الدستورية وممارساتها، ومعها تدهور اللغة القانونية واضطرابها في صناعة التشريعات. 6ـ شعبوية الخطاب السياسي وازدواجيته. 7ـ تضخم جهاز الدولة البيروقراطي وضعف كفاءته وإنجازه. 8ـ الصراع والتنافس المحتدم بين أجهزة الدولة. 9ـ التشكيك المستمر من الخطاب الإسلامي السلفي والإخواني والراديكالي في شرعية الدولة . 10ـ الخلط المستمر بين معنى ورمزية الدولة وأجهزتها، ورئيس الجمهورية. 11ـ عدم احترام بعض أجهزة الدولة قبل 25 يناير لحرمة الفرد ومعصومية الجسد الإنساني ضد صنوف الانتهاك والتعذيب . 12ـ محدودية وجفاف مصادر التجنيد السياسي للنخبة والنظام والدولة. 13ـ شيخوخة النخبة السياسية واستبعادها الممنهج للأجيال الشابة منذ المرحلة شبه الليبرالية ونظام يوليو 1952 وحتى الآن. 14ـ صراع الشرعيات السياسية المنقوصة، من شرعية البرلمان إلى شرعية الميدان إلى شرعية الدستور، كل هذه الصراعات تدور حول الخطابات السياسية وصراعات رمزية وإيديولوجية فارغة، لأن أياً من هذه الشرعيات منقوص وغير مكتمل الأركان من منظور الإجماع السياسي والرضا العام. 15ـ هيمنة النزعة اللاتراكمية للعقل النخبوي، والبيروقراطي وعدم استيعاب ومراكمة التجارب والمحن ودروسها في تجديد التفكير والسياسة والعمل. 16ـ الانقطاع المعرفي والمعلوماتي والخبراتي بما يجري في العالم ما بعد المعولم من تطورات وتحولات في شمال الدنيا أو في دوائرها الجنوبية وتجاربها الناجحة. 17ـ ضعف معرفة ومتابعة غالب النخب السياسية الحاكمة والمعارضة وأجهزة الدولة إلا قليلاً- بما يدور من تحولات في الإقليم الشرق أوسطي، والعربي، ودول حوض النيل على نحو ما ظهر في أزمة سد النهضة والأوضاع في السودان الشمالي والجنوبي. 18ـ عودة مظاهر التسلطية السياسية والأمنية والدينية إلى الدولة ومؤسساتها والنخبة الحاكمة دونما استيعاب لما حدث في البلاد خلال أكثر من ثلاثين عاماً، وطوال المراحل الانتقالية الأولى والثانية والثالثة المستمرة. 19ـ استبعاد الأجيال الشابة من الفئات الوسطى وانسحابها وإدارة ظهرها للدولة، ولامبالاتها بالسياسة كنتاج للإحباط السياسي والاجتماعي. 20- ضعف تكوين البرلمان من حيث الكوادر والرؤى واللغة السياسية، وعشوائية الممارسة، وتحولها إلى نمط أداء المجالس الشعبية المحلية. انطلاقاً مما سبق تبدو الدولة وأجهزتها والنخبة السياسية معرضة للأزمات المتكالبة ونحتاج إلى دراسات جادة لتجديد خلاياها، ومصادر ونوعية التجنيد للنخبة الحاكمة، ووضع سياسة للانتقال نحو تطور ديمقراطي جاد، وإعادة الهيبة إلى دولة القانون الحديث وتطوير المورد البشري المصري الضعيف الذي يحتاج إلى تحول البلاد إلى ورش عمل لإعادة التعليم والتكوين والتدريب، من أجل رفع مستويات كفاءة المورد البشري عموماً وموظفي الدولة والقطاع الخاص. إن إعادة التأهيل تتطلب ضرورة إصلاح جذري في نظام التعليم المدني والديني في كل مراحله، لأنه يعيد إنتاج التخلف المعرفي والعلمي والمهني لدى غالبية الخريجين الساحقة، والذين يمثلون عبئاً ضخماً على الدولة ومؤسساتها، وعدم قدرة استيعابهم في وظائف قطاع الدولة أو القطاع الخاص لضعف كفاءتهم.