«الحطاب الذي فقد فأسه فامتهن الكتابة ظل حطابا في غابة اللغة كلما اقتطع غصنا نمت في رأسه شجرة نمت في قربه غابة مجاورة» ما أكثر الحكايات التي يكون الحطاب بطلها في التراث.. حيث يكون الخيال بلا عناق يطير في الهواء ويغوص في البحر مالئا يديه بالمحار.. فأنت تخرج من قصة الحطاب والأفعى متضمنا بالضحكات إلى حكاية الحطاب والشاة التي تدر من أحد ثدييها حليبا ومن الآخر عسلا حيث يشطرك التعجب إلى شطرين.. غير أن أشهر الحطابين على الإطلاق هو البرفسور «علي بابا». صورة الحطاب في التصورات الحاضرة صورة تكاد تختفي فهو قد انقرض إلا قليلا.. أما في الماضي فكان في قمة المجد فهو الذي وهب هدية بروثيوس للبشر قوة الاستمرار وهو الذي نقل مجتمعه الإنساني إلى الدفء والضوء والطهي ومآرب أخرى. لم يحدث في تاريخنا أن تحول حطاب من مهنته الى مهنة كاتب «صميدح» يعادل ابن المقفع أو الجاحظ ما عدا حطاب هذا الشاعر اليماني إبراهيم مبارك الذي فقد فأسه/ الحياة في 19/1/16 السؤال هنا: لماذا لم يستخدم الحطاب فأسا أخرى؟ لأن الفأس التي فقدها هي القدرة لا الآلة ولهذا انتقل من عالم الاحتطاب الحسي إلى عالم الاحتطاب الجمالي الإبداعي ولكن هذا الاحتطاب كان أكبر من طاقته... فهو كلما قطع غصنا نبتت في رأسه شجرة. شاعرنا لم يخطر بباله أن الذين «رحلوا» من مهنهم الى اللغة «عد واغلط» ولكنهم صاروا حطابين والليل في عيونهم.. كل منهم يضرب بفأسه أغصان اللغة حتى لو كانت خضراء يتدلى ثمرها ناضجا... ثم يتخيل أنه ابتلع اللغة بقضها وقضيضها وأنه قطف بيديه «أحد عشر كوكبا والشمس والقمر». اعتقد بأنك لو خيرت معظم الحطابين في اللغة بين مهنتهم ومهنة أخرى أشد بريقا في تخيلاتهم لتقافزوا من «أبراجهم العاجية» أو السندسية مثل الأرانب ولن يصمد أمامك إلا من يسمونهم الادلوجيين الذين يصرون على المشي على الجمر. ما رأيك في هؤلاء الذين يتلذذون بالصعاب ويسهرون مع النجوم ويتجرعون حتى كؤوس الهزائم... لأنهم يرون النصر قريبا... هل هم عقلاء؟ أراك لا تحير جوابا.