"سنراقب الاقتصاد العالمي عن كثب، ولكن لن نرفع سعر الفائدة" هذا باختصار فحوى بيان مجلس الاحتياطي الفيدرالي "المركزي الأمريكي"، الذي تضمن التوجيه الجديد له بشأن رؤيته لكيفية تسيير أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة. وبحسب مراقبين فإن قرار "المركزي الأمريكي" يأتي في إطار جهود أمريكية لخفض حدة الاضطراب وعدم الاستقرار السائدين في سوق الأسهم والسندات دوليا، كما يأتي أيضا في ظل رغبة أمريكية بلجم الدولار ومنعه من مواصلة الارتفاع على الأقل في المرحلة الراهنة. ويراوح سعر الفائدة الرئيسة حاليا بين 0.25 و0.5 في المائة بعد زيادته الشهر الماضي من صفر في المائة تقريبا وهو السعر الذي ظل ثابتا لمدة سبع سنوات تقريبا وتحديداً منذ منذ كانون الأول (ديسمبر) 2008 أثناء الأزمة المالية العالمية التي كانت قد تفجرت في خريف 2008 بانهيار بنك "ليمان برازرز" الأمريكي في أيلول (سبتمبر) من ذلك العام. وأشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى نمو الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري في الولايات المتحدة مع تحسن القطاع العقاري، في الوقت الذي تباطأت فيه الصادرات الأمريكية. في الوقت نفسه، فإن استمرار معدل التضخم منخفضا رغم تعافي الاقتصاد وحزم التحفيز المالي الضخمة منذ 2009 يعد سببا رئيسا وراء انتظار المجلس طوال الشهور الماضية قبل بدء مسيرة تشديد السياسة النقدية الشهر الماضي، وما زال معدل التضخم أقل من المعدل المستهدف على الأمد الطويل وهو 2 في المائة سنويا. وعلى الرغم من القلق الذي انتاب الأسواق العالمية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي جراء رفع سعر الفائدة الأمريكية، إلا أنه من الملاحظ أن سعر الدولار اتسم بالهدوء والاستقرار منذ بداية العام. ولم يبدد استقرار الدولار القلق السائد لدى المؤسسات المالية الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي، وصناديق التحوط، إضافة طبعا إلى كبار المستثمرين، من أن يؤدي ارتفاع قيمته في مواجهة العملات الأخرى إلى تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي، والضغط على معدلات النمو بطريقة سلبية تؤدي إلى انخفاضها. وأوضح لـ "الاقتصادية"، جوردن جارلند المحلل المالي في مجموعة "لويدز" المصرفية، أن التأثير الاقتصادي لارتفاع سعر الدولار أو زيادة أسعار الفائدة شبه متطابق، وحدوث أي منهما في الظروف الاقتصادية الدولية الراهنة، سيكون له أثر وخيم في النمو الاقتصادي، بما في ذلك النمو الأمريكي. وأشار جارلند إلى أن رفع الفائدة قرار يمكن للمسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي التحكم فيه، ولهذا اتخذت جانيت يلين رئيسة المجلس قرارها بعدم زيادة سعر الفائدة في مثل هذه الظروف، أما بالنسبة لسعر الدولار فعلى الرغم من أن الفيدرالي الأمريكي يلعب دورا كبيرا أيضا في هذا المجال، إلا أنه ليس اللاعب الوحيد، فهناك قوى اقتصادية وعوامل أخرى تتحكم في قيمة العملة الأمريكية، ولذلك فالمجلس يسعى الآن للحد من تأثير تلك القوى، عبر إبطاء حركة الدولار والحيلولة دون ارتفاعه في الوقت الحالي تفاديا لتعميق الأزمة الاقتصادية العالمية. ولم ترتفع قيمة الدولار منذ بداية 2016 وحتى الآن إلا بنسبة 1.3 في المائة، ويلاحظ أن العملة الأمريكية آخذة في التراجع أمام العملات الدولية الكبرى مثل اليورو، حيث انخفض الدولار في مواجهة العملة الأوروبية الموحدة بنحو 0.1 في المائة، وتراجع بما يعادل 1.6 في المائة أمام الين الياباني، بينما ارتفع في مواجهة الروبل الروسي بنحو 9.6 في المائة، و2.3 في المائة أمام الريال البرازيلي. ولم يتردد القيمون على الاحتياطي الفيدرالي في تحميل الارتفاع المتواصل للدولار خلال العام الماضي المسؤولية عن انخفاض معدل النمو الأمريكي، على الرغم من إدراكهم أن تراجع النمو في الولايات المتحدة أو تباطؤه في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها الصين ودول الاتحاد الأوروبي والأسواق الصاعدة يعني أن الاقتصاد العالمي سيدخل دوامة الركود لسنوات طويلة، وهو ما يسعى الجميع إلى تفاديه الآن بأي طريقة وبأي تكلفة. ووسط هذه التطورات، يخشى عدد من المختصين في بورصة لندن من تغير الوضع حتى في ظل مخططات الفيدرالي الأمريكي لنزع فتيل الارتفاع المحتمل في قيمة الدولار، ويرجع هؤلاء مخاوفهم تلك إلى الطابع المعقد في مشهد الاقتصاد العالمي الراهن، فمع عدم توافر رافعة داخلية لنمو الاقتصاد الأمريكي، باتت العوامل الخارجية مثل التدهور المتواصل في أسعار النفط، وتقلص الطلب الصيني، بل وحتى عوامل المناخ التي أبرزها فصل الشتاء المعتدل نسبيا في الولايات المتحدة وكندا لهذا العام، والذي حدا نسبيا من مبيعات العطلات الشتوية، إضافة إلى حالة التذبذب في أسواق المال، وهذه العوامل مجتمعة تخفض من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على التحكم في قيمة الدولار. ويقول لـ "الاقتصادية"، آرفين جون المحلل المالي في بورصة لندن، إن ردود فعل البورصات الدولية على قرار الفيدرالي الأمريكي تبدو هادئة حتى الآن، والخسائر التي منيت بها البورصة الأمريكية في أعقاب إعلان بيان الفيدرالي بسيطة ولم تكن مؤثرة كثيرا، وربما كانت البورصات في حاجة إلى بيان أكثر تأكيدا بأنه لن يكون هناك رفع للفائدة قريبا. وحول تأثر الدولار بقرار الفيدرالي، يجيب جون قائلا: إن جانيت يلين تعلم تماما أن ارتفاع قيمة الدولار حاليا سيضعف صادرات الولايات المتحدة بصورة كبيرة خاصة في ظل ضعف الطلب العالمي، ولهذا نجد أن الدولار تراجع في أعقاب بيان الفيدرالي، إلا أنه عاود استعادة بعض من خسائره في وقت لاحق، إذ خسر نحو 0.2 في المائة في مواجهة الين قبل أن يعلن "المركزي الياباني" سياسته المالية والمقرر الإفصاح عنها اليوم، أما اليورو فإنه ظل محافظا على مركزه في مواجهة العملة الأمريكية.