غير صحيح أن التقنية توفر وظائف مقابل ما يفقده العاملون بسببها، قد تكون هناك بعض الوظائف لإدارة الأنظمة البديلة للعاملين، ولكنها محدودة جدا، قد لا تتجاوز 2% من أصل العدد الأصلي للكوادر البشرية، إلا في بعض الحقول الخاصة، وهذا ما يجب أن نفهمه، ونستعد له، و"نتعايش معه".. وهذا هو الأهم. قبل أيام، اضطرت قوات الأمن وفرق الإطفاء الفرنسية للتدخل لتطهير طريق دائري مزدحم في باريس في ساعة ذروة، بعدما ألقى سائقو سيارات أجرة غاضبون من شركات تسيير السيارات الخاصة مثل "أوبر" إطارات على الطريق وأشعلوا النار فيها.. وذلك بسبب اعتماد عدد كبير من الناس (أخيرا) على تطبيق "أوبر"، الذي وصفه السائقون بأنه منافسة جائرة مع شركات خدمات سيارات الركوب الخاصة. لا شيء مستثنى من البديل التقني، ففي الحقل المصرفي على سبيل المثال، تقول الأخبار عن توجه مصرف "HSBC" لخفض عدد العاملين في الفروع التابعة له في المنطقة العربية، بما في ذلك فروعه في دول الخليج. حيث إن العدد النهائي المستهدف بإنهاء خدماته في فروع منطقة الخليج قد يتجاوز نسبة تقليص العاملين في جميع فروع المصرف وهي 19%. وتأتي هذه الإجراءات في إطار خطة عامة للمصرف تستهدف تقليص عدد العاملين فيه، البالغ عددهم 266 ألف عامل، وإنهاء خدمات نحو 50 ألف موظف من الموظفين الدائمين بحلول 2017، أي ما يعادل تقريبا 19% من قوة العمل. في المقابل، الأمر لا يبدو بذلك السوء، ولكنه يعد تحديا ليس سهلا، ولكن بشرط التعاطي بذكاء، كالعمل في الحقول غير المهددة بالهجوم التقني، أو التي تتوالد الوظائف عبرها بشكل كبير، كالاتصالات والتكنولوجيا. سبق وأن تحدثت - أكثر من مرة - عن دراسة حديثة قالت إن زيادة استخدام التكنولوجيا الرقمية، في قطاع الصناعة في ألمانيا، سوف توفر آلاف الوظائف الجديدة خلال العشرة أعوام المقبلة. وأوضحت الدراسة التي أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية العالمية (بي سي جي)، أنه من الممكن أن يتم توفير 390 ألف وظيفة جديدة في العقد المقبل من خلال التوجه نحو تطبيق مشروع "الصناعة 4" في ألمانيا، المعني بزيادة استخدام البرمجيات والإنسان الآلي في المصانع. ليس ذلك فحسب، بل إن "البنك الدولي" يعتقد أن هناك ثلاثة توجهات تدفع نحو زيادة الوظائف المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أنحاء العالم كافة تتمثل فيما يأتي: أولا: زيادة الربط الشبكي إذ هناك أكثر من 120 بلداً تصل فيه نسبة استخدام الهواتف المحمولة إلى أكثر من 80 في المئة بين السكان. ثانيا: تحويل المزيد من أوجه العمل إلى بيانات رقمية، اليوم أصبح العمل عن بعد، وتعهيد مهام العمل ممارسات عمل معتادة عالمياً. ثالثا: زيادة عولمة المهارات، فلقد أصبحت الهند والفلبين مراكز رئيسة لتعهيد مهام العمل وذلك بفضل مهاراتهما في اللغة الإنجليزية، بينما تضع بلدان أخرى أعينها على هذا القطاع من أجل النمو في المستقبل. الأهم من كل هذا، أننا نتفهم أن التقنية ستغير كثيرا من ملامح الحياة، ليست الوظائف فقط.. بل كل شيء، حتى سلوكياتنا! والسلام