عادةً ما تُقسّم المجتمعات البشرية لفئات وشرائح متنوعة التوجهات الفكرية والدينية، حتى تلك التي لا تحتوي على أكثر من دين واحد، يوجد بداخلها تنوع على مستوى أنماط التدين. ثمة أفراد أكثر التصاقاً بالدين من آخرين، وكذلك الأفهام، تختلف من شخص لآخر، حيث لا وجود لفهم أو نمط واحد من التدين. ما من شك أن الدين جزء أصيل من ثقافة بعض الشعوب، ولذا فإن النقاش حول أنماط التدين المرغوبة أو المناسبة لثقافة المجتمع، أمر لا بد من فتح باب الحديث فيه، خصوصاً في المجتمعات التي يأخذ الدين حيزاً مُهماً في حياتها، بحيث يؤثر على سلوكيات أفرادها، وعلى خياراتهم، ونظرتهم للحياة، وتفاعلهم معها. بل حتى أشد المجتمعات الغربية علمانية يحضر الدين فيها بشكل واضح، وهذا ما جعل مجموعة من كبار الفلاسفة الغربيين يتناولون في ندوة خاصة «حضور الدين في المجال العام»، بل حتى المجتمع الأمريكي على كل ما يقال في حقه من انفتاح وتعددية دينية وعرقية، إلا أن «البروتستانتية» حاضرة كعنصر قوي في هوية الفرد الأمريكي، وذلك بحسب شاهدة المفكر صامويل هنتغتون في كتابه الشهير «من نحن؟». إذن، لا توجد مشكلة في الدين ولكن في أنماط التدين، وإن مجتمعنا ليس بدعا من البشر، بل هو يمر بالمرحلة التاريخية التي مرت بها مجتمعات سبقته، من خلال طرح أسئلة جذرية عن أنماط التدين الواجبة الاتباع، أو أي تدين نريد؟ فكما هو واضح بالنسبة لنا كمواطنين، ثمة معاناة حقيقية نعيشها في هذه اللحظة الحرجة، حيث التنافس في أشرس مراحله على «احتكار تفسير الدين»، من قبل جماعات متطرفة تستغل مكانته في نفوس الناس من أجل تحقيق مكاسب دنيوية، بغض النظر عن الهدف الحقيقي للدين. فهل من التدين على سبيل المثال أن يُفجّر «المتدين» نفسه في جمع من المصلين انتصاراً للدين؟! إيرش فروم الباحث في علم النفس السياسي تطرق في أكثر من مناسبة لضرورة الدين في حياة الإنسان، وحاجة الفرد لنمط من التدين كي يوجه به سلوكه، فالتدين مصدر من مصادر الطمأنينة. كما يفرق فروم بين «تدين» يساعد على التفكير الحر والحب والعدل والرغبة في الانتاج، ويساهم في وحدة المجتمع وتماسكه ورفعته، فيسميه «التدين الإنساني»، وبين «التدين الاستبدادي» الذي يأتي عن طريق قسر الفرد على بعض الممارسات والسلوكيات التي لا توائم طبيعة الإنسان وفطرته، كلجم اقباله على الحياة والتحرر من العبودية، «فالتدين الاستبدادي» بحسب فهم فروم يحرض على القمع والطاعة العمياء. إن الدين عنصر أساسي من هوية الأمة، وهذا لا سجال فيه، لكن التساؤل هو في نمط التدين الذي نبتغيه. فهل نحن مع «تدين» يجرنا اتجاه الحياة أم مع آخر يدفعنا نحو الموت؟