×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / تعليم نجران يعتمد خطة التوأمة لـ47 مدرسة لتعليم الكبار

صورة الخبر

يعتقد كثيرون أن إيران قد فازت بعد مصالحتها مع أميركا، وأن السعودية خسرت حليفها الأميركي الوثيق، وأن إيران ستسيطر على المنطقة كلها. يؤكد الواقع أن إيران لم يكن أمامها خيار سوى الاتفاق مع الغرب، ولم يكن أمام السعودية خيار سوى البحث عن آلية بسبب انكفاء الحليف. تيقنت إيران بعد تمددها في المنطقة، ووصولها إلى حافة القدرة النووية، أنها لن تستطيع تجاهل الغرب، وتثبيت نظامها، والاحتفاظ بمكاسبها. وصل الأمر بإيران بسبب الحصار إلى أنها لم تعد قادرة على دفع رواتب موظفيها، ووصل التضخم لمستويات عالية، واشتد الخناق عليها، وأدركت أن اجتيازها العتبة النووية سيؤدي إلى مواجهة عسكرية خاسرة مع الولايات المتحدة. ومما يعزز هذه الفرضية أن الرئيس أوباما قال، بعد رفع العقوبات: «إننا تجنبنا حربًا مع إيران، وإن تراجعها يثبت خطأ المشككين في قوة الدبلوماسية. هذه الدبلوماسية لم تكن مجرد كلام، بل تجسدت بعقوبات خانقة، وتهديدات مبطنة، وقابلها إغراءات لإيران، مثل الاعتراف بمصالحها في العراق، وفي أفغانستان، وسوريا وغيرها»، وكذلك مناصرة أوباما (بعدم التدخل) لحكام طهران في قمعهم للثورة الخضراء عام 2009، بعد انتخاب (بالتزوير) محمود أحمدي نجاد رئيسًا للبلاد. هذا الواقع أقنع القادة الإيرانيين بأن أميركا قد تقبل بتركيبة نظامهم شرط اعترافهم بمصالح الغرب، والدخول في النظام الرأسمالي، وتخفيف سقف طموحاتهم الإقليمية. كما أنهم اقتنعوا أن الدبلوماسية الغربية بتلميحاتها، وتوفير الفرص للتمدد الإيراني، والتغاضي عن تهريب الأموال، والتكنولوجيا لإيران، سيعقبها، في حال عدم تلقفهم المبادرة، تطبيق أميركا وحلفائها دبلوماسية العصا، وما تحمله من تهديد للنظام الإيراني. ولمن لا يصدق، فلينظر إلى التاريخ ليرى كيف سحق ملوك أوروبا الثورة الفرنسية، وكيف طوق الغرب روسيا البلشفية، وكيف انهارت، ثم انبعثت لتتبنى اقتصاد السوق، وكيف تحولت حتى الصين من «الاشتراكية الشعبية» إلى النظام الرأسمالي. نالت إيران بعد توقيعها الاتفاق الشرعية الدولية بأنها دولة مقبولة بنظامها الديني شرط أن تسير في الركب الرأسمالي، ولا تعادي مصالح الغرب، وشرط أن تفتح أسواقها للشركات الغربية، وتقبل بالتركيبة الدولية للنظام الدولي، وتتخلى بالتدريج عن النغمة الثورية، وتبدأ رحلة ما يمكن تسميته العودة إلى الوراء، لتتمثل من جديد بإيران المتعايشة مع جيرانها وفق ترتيبات معينة تفرضها طبيعية التطورات. بالطبع ثمة خلافات داخل النظام الإيراني، لكنها خلافات ليست حول الآيديولوجيا، كما يظن كثيرون، بل حول تقاسم الكعكة لأنهم جميعًا يريدون العودة للحضن الأميركي ويريد كل منهم الفوز بقصب السبق لضمان صورته في الداخل الإيراني. اقتنع قادة إيران بهذا المسار، لأنهم رأوا بأم عينهم ماذا حدث لروسيا البلشفية، وسمعوا بآذانهم ما قاله بوتين، بأن خطأ الاتحاد السوفياتي هو أنه أنفق أموالاً طائلة على شعوب لم تحفظ له ودًا، وأن الحل هو ببناء نظام رأسمالي روسي، وخلق طبقة رأسمالية تتصارع مع طبقة الغرب الرأسمالية، وفي هذا الصراع تتحقق مصلحة موسكو. لقد توصل حكام طهران، حتى الآن، لهذه القناعة، وهم سائرون بها، لكنهم يتخفون، ويمشون على استحياء! على الضفة الأخرى، قبلت السعودية النظام الرأسمالي، وفتحت أسواقها، ومارست سياسة التحالف مع الغرب، وتقيدت بالنظام الدولي وشروطه، وحققت الرفاهية المعقولة والأمن لمواطنيها. لم تكن مشكلة السعودية يومًا في نظامها، بل في المحيط العربي، وفي الصراع مع إسرائيل، وفي التناقض التام بين نظامها والأنظمة العربية، وتضادها مع حلفائها الغربيين في القضية الفلسطينية، مع ذلك، تمكنت السعودية، بمسايرة الأنظمة العربية، ومعارضتها حيثما ثمة مصلحة، من تجاوز قطوعات صعبة، لكنها وجدت نفسها في أعقاب الربيع العربي أمام خيارات أكثر صعوبة. انهارت دول عربية، ودخلت في حروب أهلية، وانسحب الغرب متعمدًا، واختار التفرج، فتعمقت الأزمات، ودخلت إيران طرفًا فاعلاً في العراق من خلال ميليشيات (طائفية)، وكذلك في سوريا واليمن ولبنان. كان طبيعيًا في غياب مصر، أن تتصدر السعودية المشهد، وأن يتخذ الصراع منحى طائفيًا، وكان طبيعيًا أن يُصعِّد الغرب حملته ضد السعودية بأنها وراء التطرف، لمسايرة إيران، وكان طبيعيًا أن تغيب عن مشهد المفاوضات النووية، فالسعودية، واقعيًا، ليست دولة عظمى، ولذلك تواجه بعد انهيار المنظومة العربية، والعدوان الإيراني، أثقالاً تنوء بحملها. لقد صور الغرب، لأسباب تكتيكية، المملكة بآيديولوجيتها، ودخولها النزاع في اليمن، وسوريا، بأنها معرقلة للتسوية في المنطقة، مع علمه أنها تحاول حماية الذات، والاستجابة لصرخات الناس المنكوبة المتماهية معها في المعتقد والنظرة، والتاريخ. ليس بإمكان السعودية أن تفعل أكثر، والذهاب أبعد، في ظل التعقيدات الدولية، وبعد دخول الروس إلى الساحة السورية، والتفاهم الإيراني الأميركي النووي، والتعقيد الكردي التركي، والتراجع المذهل في أسعار النفط. ما تفعله السعودية هو أقصى ما تقدر عليه! باختصار، لم تغير السعودية شعاراتها، وحافظت على صداقاتها وتحالفاتها، وثبتت على موقفها من فلسطين، واستمرت بالمواجهة مع إيران. لكنها لم تنل دعم الدول الغربية الصديقة المباشر، واستنزفت ماليًا وبشريًا. أما إيران فإنها رغم كل الضجيج، والأموال المهدورة، ومحاربة الشيطان الأكبر، والاستعمار، ومناصرة الشعوب المستضعفة، وشعار الوحدة الإسلامية، لم تحز على القنبلة النووية، وصادقت الشيطان الأكبر، وناصرت المستعمر الروسي (بوتين) في حروبه على المسلمين، وولغت في دماء الشعب السوري، وفتتت وحدة المسلمين. حروب إيران هذه سببت لنا ولها مآسي لن تنسى، واستنزفت طاقاتنا، وفي النهاية، قبلت إيران بالنظام الدولي، وبالغرب، وستقبل مرغمة بتسويات تتراجع فيها عن كل هذا العبث الطائفي، والهوس التوسعي.