خلال الأسبوع الماضي كنت في نيودلهي أشارك في المؤتمر الثاني لأبحاث غرب آسيا. وترك حضور ومشاركة سيدة سعودية عضوة في مجلس الشورى انطباعا إيجابياً وتساؤلاً عن تفاصيل دورها على أرض الواقع. حضر المؤتمر قرابة 200 من المتخصصين في منطقة الخليج العربي, وإطارها الشرق أوسطي, للنظر في وجهة المستقبل في ضوء تداعيات تأجج صراع الإيديولوجيات, وما يعنيه ذلك للعالم وبالذات للمنطقة الآسيوية في علاقاتها القادمة مع الشرق الأوسط خاصة بعد الربيع العربي, وبالتركيز دول مجلس التعاون الخليجي. متغيرات منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية معروفة للجميع, ولكن تفسيراتها وتوقعاتها المستقبلية تختلف مع وجهة النظر والتحيزات الشخصية لوجهة نظر الباحث.. وليس هناك بشر يخلو من التحيز ويعتنق الحياد الكامل. المؤتمر حدث مهم لعلاقته بشؤون الصراعات العسكرية والاقتصاد، دعا إليه مركز الأبحاث الدفاعية في نيودلهي بالتعاون مع وزارة الدفاع, وافتتحه نائب رئيس الجمهورية, بحضور وزير الدفاع، وحضره نخبة من المسؤولين والخبراء المدعوين المتخصصين من الشرق، اليابان والصين وكوريا، ومن الغرب أمريكا وفرنسا وروسيا, ومن الشرق الأوسط تركيا وإيران والعراق وسوريا ولبنان ومصر والكويت والسعودية والإمارات واليمن ومصر وتونس. وحضر أيضا طلاب الدراسات العليا الباحثون الذين يكتبون دراساتهم في الشؤون السياسية, وبعض الإعلاميين. وشمل الحضور عددا كبيرا من السفراء السابقين في منطقة الخليج. في كل الأوراق تكررت الإشارة إلى ثورات وهشيم الربيع العربي, الذي بدأ بمطالب اصلاحية اقتصادية أملتها معاناة الشباب العاطل لتختطفها الأحزاب المسيسة تحت راية الدين لتنتهي بمعاناة ملايين اللاجئين الفارين من أتون المنطقة إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. كما تكررت الإشارة إلى تأجج الصراع الطائفي, واتفق الغالبية أن الاختلاف والتنوع الديني والمذهبي ظاهرة عرفتها المنطقة منذ القدم ولكنها أججت مؤخراً لتصل إلى مستوى الصراعات القاتلة. وأن ذلك تم بفعل فاعل وربما أكثر لخدمة مصالح دول قريبة أو بعيدة. أشارت كل الأوراق الى نشاط التنظيمات الإرهابية, وبالذات داعش, وإلى وحشية ما يفعل, وناقشوا جذوره والهدف منه بمرئيات مختلفة. وأشار البعض أنه لا يجب أن يربط بمسمى الدولة الإسلامية لأنه ليس دولة ولا يطبق الإسلام إلا بكلمات منقوشة على راياته. بينما أشار البعض أن الغلو الديني الذي استجد في المنطقة وتغلغل في المناهج المدرسية, هو ما دفع المجتمع والشباب بالذات إلى فكر الجهاد المتمرد بدءا بالقاعدة ثم بداعش. بعض الأوراق استخدمت مصطلح المذهب «الوهابي». فصححها العارفون أن المذاهب السنية أربعة والشيعية اثنان، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتبع المذهب الحنبلي السلفي ولم يأت بمذهب جديد. وأشارت بعض أوراق المؤتمر إلى ظاهرة اجتذاب داعش لمجندين يأتون من بلاد غربية لم يدرسوا فيها مناهج دينية ولكنهم من أبناء الأقليات غير الأوروبيين الغاضبين من تهميش المواطنين الأصليين لهم. رفض الجميع نشاط داعش وغيرها من المنظمات والتنظيمات المسيسة تحت مظلة الدين. وأعادوا جرائمها لمصادر محلية, منتقين براهين تثبت تحليلاتهم. وأشار كثير منهم إلى المناهج المغالية في الغلو إلى حد تكفير الآخر، وأنه بعد قولبة العقول الطرية بضغوط مرئيات الصحوة على مدى أربعة عقود من الثمانينيات حتى العقد الثاني بعد الألفية، فالخلايا الإرهابية نتيجة طبيعية. بينما أثار الباحث الإسرائيلي حفيظة الغالبية بإشارته إلى وحشية العرب والإيرانيين تاريخيا تجاه اليهود فصححه باحث هندي مسلم أن اليهود كانوا مرفوضين في كل أصقاع العالم ولم يجدوا العيش الآمن والاحتواء إلا عند المسلمين. وسأعود إلى ما ناقشه المؤتمر اقتصادياً في حوارنا القادم. مقالات أخرى للكاتب صراع الإيديولوجيات وحلم الإمبراطوريات مرآة صادقة لتعديل أوضاعنا صوتنا في الخارج مسؤولية الإعلام و المصداقية المفتقدة حقوق الأبرياء وتعديات المترصدين