يبدو أن دول الخليج، وعلى رأسها المملكة، معنية جداً بالدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والحيوية في المنطقة. وغالبية الدول العربية تجد في المملكة مصدر القوة والفاعلية والتأثير الاستراتيجي، ولهذا بدت المواقف العربية الخليجية أكثر تقارباً من الملفات الساخنة، ولعل أبرز هذه الملفات التدخل الإيراني في الشأن الداخلي للدول العربية. وقد كان الاجتماع الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي واحداً من المؤشرات على أهمية الدور السعودي الذي يتمتع بقدر من المصداقية والثقة. ولهذا تجد الإدارة الأمريكية أن الرياض أضحت بلا منازع عاصمة القرارات الإقليمية والعربية والإسلامية، وأن التشاور معها فيما يتعلق بالشأن الإقليمي، مهمة رئيسة، لا يمكن تجاوزها، فالحل في سوريا، لن ينجح بلا دعم سعودي خليجي، ولن يكون إليه أي سبيل إلا إذا أخذ مصالح السوريين والعرب في قمة الأولويات. وقد أثبتت الرياض- على أكثر من صعيد- أنها عاصمة مسؤولة ومحورية لا يمكن تجاهلها على أي صعيد فيما يتعلق بالمنطقة. زيارة الوزير جون كيري تأتي ضمن هذا الاتجاه، فالرياض استطاعت تجميع المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ودفعت بها لتشكيل وفد المعارضة إلى مؤتمر جنيف المقبل، بهيئته التنسيقية والتفاوضية، التي تعكس هذه المرة وحدة المعارضة السورية على الخطوط السياسية العامة، ولكن السؤال اليوم مطروح على واشنطن وموسكو، فهل بعد الجرائم والقتل على الهوية والتدمير بالبراميل المتفجرة واستخدام الغازات السامة، من طريق لبقاء الأسد؟. المسألة ليست استعراضاً للعضلات، وليس من يصمد أكثر، أو سياسة عض الأصابع، وإنما المشكلة الأخلاقية والإنسانية تتجاوز كل تلك المعطيات، باتجاه حل الأزمة السورية، ولا يمكن حل الأزمة ومشاركة القتلة، فالأسد هو البغدادي، ولكن بشكل آخر، كلاهما يقتل، وكلاهما يدمر ويحرق، والخاسر الوحيد هو المواطن السوري، والأمن الإقليمي والعالمي. تصريحات الوزير كيري كثيرة، فقد صرح مؤخرا بأن الأسد استخدم الغازات السامة، وآلة الدمار والقتل ضد الشعب السوري، وأكد بأن إيران تمول منظمات عسكرية وإرهابية في العراق وسوريا واليمن، وهذا هو السبب في تسعير الصراعات الطائفية في المنطقة، وهذا هو السبب الخلافي مع إيران، ولكن السؤال عن الموقف الأمريكي والروسي، فعمليات الاجتثاث التي تمت في الأنبار بدعم من الميليشيات الإيرانية تجاوزت 25 ألف مواطن، بينما في ديالى تقوم وحدات الحرس الثوري الإيراني باجتثاث مواطنين عراقيين سنة، وبلغ عدد الضحايا المغدورين ألف مواطن عراقي، أمام مرأى الدول الكبرى، وأمام مرأى الأمم المتحدة التي لا تحسن إلا فن الإدانة والقلق، بينما لا تمارس أية ضغوط حقيقية على الأرض. المملكة ودول الخليج، في ظل الغياب أو التراجع الأمريكي، وجدت بأن مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية والإسلامية تحتم عليها الحضور، والوقوف بوجه آلة الدمار والفوضى الإيرانية، وأن تلفت انتباه المجتمع الدولي على أكثر من صعيد بالأرقام والمعلومات حول حجم التورط الإيراني في زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي، وإن الخشية الإقليمية، اليوم، من أن يؤدي رفع الحصار عن إيران مزيداً من الدعم المالي واللوجستي الاستخباري والاستشاري للتنظيمات الإرهابية المتطرفة. إن المسؤولية الأخلاقية على الدول الكبرى، تدفع باتجاه دعم الاستقرار الدولي والإقليمي، والأمن الجماعي، ودعم الأمن والاستقرار الإقليمي، لا بتعزيز إمكانات محركات الفوضى والتغاضي عن سلوكها الداعم للإرهاب، ليس بحسب ما نشاهده في الواقع فقط، وإنما بحسب ما تذكره تقارير الاستخبارات الأمريكية والغربية. لهذا فإن الدول الغربية مدعوة اليوم للتفكير بالجانب الأخلاقي والإنساني، فمن تلوثت يداه بدماء السوريين، لا يمكن له أن يكون في صف العدالة الدولية، أو الأخلاقيات الإنسانية، والقيم العالمية، ولهذا، فإن ما سرب من مصادر روسية حول إمكانية مغادرة الأسد، قد تكون الطريق الحقيقي نحو بناء سوريا الجديدة والموحدة.