لا ينكر أحد أن أطفال اليوم يعيشون عالماً معقداً وأن تهيئة المناخ الملائم لهم لتنمية عقولهم وتطوير مهاراتهم باتت صعبة على الأسر المنهمكة في توفير سبل العيش الكريم لهم سواء لعدم وجود وقت كاف للجلوس معهم ومتابعة تصرفاتهم من ناحية أو بسبب وجود اختلاف في المستوى المهاري بين الأجيال، إذ إن سلوكيات الأطفال منذ الصغر وفي مراحل عمرهم تنجذب نحو الوسائل التقنية الحديثة وهم بحاجة إلى من يأخذ بيدهم نحو الابتكار والإبداع من جهة وتوعيتهم بالمخاطر التي تحدق بهم من الأفكار والتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في جولة الخليج رصدنا بلا رتوش الدور الذي تقوم به المدارس والمراكز المهتمة بالإبداع والتعليم والتنشئة الاجتماعية في العملية الإبداعية للنشء. قالت ليلى قنديل مديرة مركز الإبداع التعليمي، يعمل المركز على تدريب وتنمية القدرات والمهارات للطلاب، ويقدم أيضاً الرعاية التعليمية لهم بتوفير أفضل البرامج التعليمية، والتقنية، والفنية أيضاً، وإبراز نواحي الضعف والقوة لدى الطالب، وتحسين قدراتهم على حل المشكلات المختلفة التي تواجههم بتزويدهم بالمعلومات، والمهارات والاتجاهات اللازمة التي تجعلهم قادرين على أداء وظائفهم بكفاءة وفاعلية، وهو جهد تنظيمي تقوم به إدارة المركز والعاملون فيها من معلمين ذوي كفاءة وخبرات عالية، ومختصين، ومشرفين يسعون إلى تحسين وتطوير مهارات وقدرات الطلاب بالإضافة إلى بناء شخصية إيجابية وقوية من خلال غرس الثقة داخل الطالب. وأضافت: نحاول قدر الإمكان تغطية جميع اهتمامات الطالب بعمل خطة استراتيجية متبوعة باستمارات نطرح من خلالها أسئلة عن هوايات الطالب والمواد الدراسية التي يرغب بها ويبدع فيها لاكتشاف المجالات التي تعبر عن شخصيته واكتشاف مواهب خفية لديه والعمل على تطويرها وتنمية قدرات الطالب التي تفيده في الحصول على أكبر نفع لشخصيته، وفي حياته العلمية والعملية في المستقبل. ونقوم بعمل ورش عمل تدريبية نصنع من خلالها المهندس الصغير، والمدير والقائد الصغير، وبعد انتهاء التدريب يتم عقد اجتماعات مع أولياء الأمور وأبنائهم الطلاب والسؤال عن النتائج والأهداف التي بلغها الطلاب وقياس ردود الفعل و مقدار الرضا الداخلي الذي يشعر به الطالب. وأكدت قنديل أن الدورة التدريبية التي يخضعها الطلاب تحتاج لتعيين أخصائيين ذوي خبرة عميقة وكفاءات عالية لتكتمل نجاح الأهداف التي نسعى من أجلها، حيث يخضع العاملون في المركز والمدربون إلى عملية تقييم لقياس كفاءتهم وفعاليتهم وصلاحيتهم للعمل التدريبي لتحقيق الأهداف المرسومة، وتقديم أفضل الخدمات والتدريبات للطلاب. مهارات متكاملة وقالت أسماء ادلبي مديرة مركز أفق الإبداع: نركز بالدرجة الأولى على موهبة الطالب، والموهبة لا تساوي التحصيل الأكاديمي بل تندرج في جميع المجالات والعلوم والفنون، ونحن ننظر إلى أن جميع الطلاب موهوبون ولكن بحاجة لنكتشف مواهبهم المدفونة. وأضافت: يوفر المركز برامج تعليمية وتدريبية، وأيضاً يوفر استشارات تربوية، وأسرية، واجتماعية، لتزويد الطلاب بالمهارات المتكاملة ما يساهم في رفع معدلات الإبداع والابتكار ويعمل على تغيير تفكير وحياة الطلاب للأفضل، حيث نوفر برامج تعليمية حديثة المنهاج وبطرق متطورة باستخدام أجهزة وألعاب مبتكرة وورش عمل وأنشطة تعليمية، وفنية، ورياضية تزيد من مهارات التفوق بالحياة اليومية والعملية، وتحفز الفضول العلمي لدى الطلاب بالإضافة إلى تمكين الطالب بتنظيم وقته وتعليمه كيفية اتخاذ القرار الصائب وتطبيقها على أرض الواقع، وتنمية التفكير الإبداعي من خلال تمارين مخصصة لتقوية الذاكرة وأنشطة تقوي الشخصية وتزيد من شعور الثقة والقوة في نفسيته والعمل على تأهيل الطالب ليصبح قائداً يدير قراراته بذكاء ليصبح رائد عمل ناجحاً في المستقبل. عباقرة المستقبل أشارت نورة زهراوي معلمة في ذات المركز، إلى أننا نقوم بتدريس الطلاب برنامج يطلق عليه عباقرة المستقبل، وهو برنامج متكامل لبناء شخصية الطالب ويتم من خلاله اكتشاف الموهوبين وتتم رعايتهم وتنمية وتطوير ما في دواخلهم من قدرات وإبداعات، لكي يتمكن الطالب من استغلال وتسخير موهبته، وهو برنامج لتنمية المهارات الذهنية من خلال علم الحساب الذهبي في جدول الاباكوس (abacus) والقيام بالعمليات الحسابية عن طريق الدماغ، مما يجعل العمليات الحسابية أكثر سهولة، وسرعة، وبشكل متطور في نفس الوقت، ويتم تعليم الرياضيات من خلال هذا البرنامج باستخدام الحاسة السمعية والحسية، والاعتماد على الحركة السريعة والليونة والخيال والألوان دون استخدام القلم والآلة الحاسبة أو أي جهاز إلكتروني، إنما نجعل الطالب يعتمد على نفسه وعلى قدراته الذهنية ونطلق له العنان بإخراج جميع قدراته وإمكانياته، وأهم جزئية في جدول الاباكوس أنه ينمي الذكاء لترابط الجزء الأيمن مع الجزء الأيسر في دماغ الطالب، مما يساهم في تنمية قوة العقل وإيقاظ جميع الحواس الخمسة وتفعيل النشاط الزائد في جسم الطالب، كما تعمل على تنمية المهارات الذاتية وإبراز روح المنافسة بين الطلاب وامتلاك فنون التصرف والمناقشة والتواصل بشكل فعال. ونوهت لبنى الحوسامي معلمة في مركز أفق الإبداع، أن المركز يقوم بإعطاء فنون ومهارات أوريغامي وهي فن لطي الورق، والهدف منها تحويل الورقة إلى مجسمات وأشكال زخرفية هندسية، أو شخصيات كرتونية، أو أشكال طبيعية مثل الطيور والأزهار، باستخدام القص واللصق، والهدف منها تحقيق عوامل إيجابية تؤثر في شخصية الطالب مدى العمر كالصبر والإتقان والالتزام في العمل والتركيز فيما يؤديه، ويساهم في تعزيز الشعور بالفخر والثقة فيما ينجزه الطالب من صناعة أشكال بمجهوده الخاص. وأضافت كما يوفر المركز دورات مميزة ومفيدة كبرنامج سحر التفاعلات العلمية الذي يهدف إلى تعريف الطلاب إلى المواد الكيميائية التي يمكن أن نستفيد منها وتصنيع أشياء مفيدة واستخدامها في حياتنا اليومية وتكون مواد آمنة، كسائل اليدين ومعجون الأسنان، وهو برنامج ترفيهي تعليمي يساعد الطلاب على معرفة العناصر الكيميائية بشكل نظري وعملي وتطبيق ما يتم تعليمه بشكل واقعي. مواهب دفينة وقالت منى حسن شوشان مرشدة أسرية، إن اكتشاف مواهب الطلاب منذ الصغر والعمل على تنميتها وصقلها ووضعها في المسار الصحيح، يبدأ بتوفير جميع الاحتياجات المادية والمعنوية، وإعطاء فرصة الأطفال للتعرف واكتشاف البيئة المحيطة بهم والتفاعل معها، لتنمية روح المغامرة والإلهام والابتكار، وأيضا تفعيل العمليات العقلية لديهم وتنشيطها عن طريق التعلم الذاتي واكتشاف الذات، كما تلعب البيئة الأسرية والمدرسية دوراً كبيراً وفعالاً في تنمية قدرات الأطفال عن طريق مواكبة أساليب الطرق الحديثة والوسائط التعليمية والخدمات المتوفرة وأيضا الأنشطة الثقافية، والترفيهية، والفنية، والرياضية التي لا تقل عن غيرها من المواد الدراسية، فجميعها تساهم في تقديم الإبداعات والامتيازات والطاقات الإيجابية المنبعثة من وجدانهم. تطوير المواهب وقال عصام أبو سل مدير قسم البنين في مدرسة الحكمة، في بداية كل عام دراسي تقوم إدارة المدرسة بتوزيع أوراق خاصة على المعلمين بحيث يقوم معلم الصف بتسجيل هوايات الطلبة ورغباتهم، ثم نقوم بفرز مواهب الطلاب ومتابعتهم من خلال الأنشطة التي تقام داخل المدرسة بشكل مستمر وتحديد برامج على حسب رغبات الطلاب وتسجيلهم بها وتقام مسابقات وفعاليات بتشجيع الطلاب على تنمية و صقل مواهبهم، وهنالك عدة بطولات تقام داخل المدرسة كبطولة السباحة وبطولات كرة قدم وبطولات في الرسم والنحت والشطرنج واليولا. وأضاف: نتواصل مع أولياء الأمور على مدار العام الدراسي بحيث إذا لاحظنا أي تصرف أو سلوك أو سمات تميزهم عن غيرهم من الطلاب نقوم بالاتصال مع ولي الطالب ونطلب منه مراقبته في البيت لتحديد نوعية الموهبة التي لديه ويأتي دورنا بتدعيم هذه الموهبة وتطويرها حتى نحصل على النتائج التي ترجوها إدارة المدرسة. وقال: نركز على تطوير موهبة الطلاب في مجال التقنية والتكنولوجيا. وقال أسامة البطة مسؤول العلاقات العامة والإعلام في مدرسة الحكمة، إن شباب اليوم رجال الغد، والبحث عن مواهبهم هو من مسؤوليتنا ومن اهتمامنا. وأكد أن إدارة المدرسة توفر جميع احتياجات الموهوبين، وتوفير الاستقرار النفسي وتهيئة المناخ الملائم لتنمية قدراتهم وتفجير إبداعاتهم . قال شريف شكران باحث علمي ومسؤول تنمية المواهب في مدرسة الحكمة الخاصة: لا يوجد طالب غير موهوب وكل طالب له موهبة خاصة تميزه عن غيره من الطلاب وتتنوع المواهب منها موهبة الرياضة، والموسيقى، وموهبة الذكاء والتحصيل العلمي. وأضاف أن التعرف الى الموهوبين يجب أن يكون ضمن عمليات مستمرة ومعايير شاملة بإشراف فريق متخصص لاختبار قدرات وإمكانيات الموهوبين، لأخذ بأيديهم وإعطائهم الاهتمام والعناية التامة. دور الأسرة تقول عائشة أحمد علي الحويدي رئيسة اللجنة النسائية في جمعية الشارقة الخيرية: تعتبر الأسرة هي البيئة الأولية التي يتم من خلالها اكتشاف موهبة الأبناء والعمل على تطويرها، وتنميتها واستغلالها بأفضل الطرق والوسائل، لذلك لها الدور الأكبر في تقديم الرعاية اللازمة لتنمية قدرات وإمكانيات أبنائها الموهوبين. وأضافت على الأسرة توفير جميع الاحتياجات المادية والمعنوية، والنفسية، والاجتماعية للأبناء، وتوفير الأمن والاطمئنان وتهيئة الأجواء والظروف المناسبة خلال مرحلة نموهم، والعمل على ملاحظة سلوكيات الطفل منذ الصغر والتدقيق على تصرفاته والتركيز على قدراته العقلية، والهوايات والمهارات التي تجذبه، لإتاحة الفرصة للأهل للتعرف الى موهبة الطفل في سن مبكرة، لقدرة الطفل على اكتساب وامتلاك قدرات ومهارات في موضوعات متنوعة. ونوهت الحويدي إلى أن إطلاع أولياء الأمور على كل المستجدات والأنشطة الدراسية والترفيهية للأبناء أمر ضروري من أجل تطوير مهارات الطالب الثقافية والعملية، والتي توفرها المدرسة أو المراكز والمعاهد التي تهدف إلى تطوير المهارات الاجتماعية التي تمكنهم من تحديد أهدافهم وتحفز لديهم الفضول العلمي، بالإضافة لمهارات اتخاذ القرار والتفكير الإبداعي وأنشطة تنمي الشخصية الذاتية لدى الطالب وتعمل على غرس الثقة والقوة والإصرار للوصول إلى الطالب، بالإضافة للتواصل والمتابعة المستمرين مع إدارة المدرسة أو المراكز، أوالنوادي التطورية الإبداعية لضمان جودة التعليم المقدم لهم. وشددت الحويدي قائلة: يجب على كل أولياء الأمور أن يفكروا في كيفية تشجيع ودعم أبنائهم بالإضافة إلى تقديم الحوافز المعنوية والنفسية لرفع مستوى الثقة بالنفس ليرتفع تلقائياً مستوى الإبداع والابتكار لدى الطالب، وبذل جهد أكبر اتجاه أبنائهم بغرس القيم الإيجابية في نفوسهم لتساهم في تنمية إمكانياتهم وتطوير مهاراتهم بالإضافة إلى رفع مستواهم التحصيلي.